الجمعة، 14 يناير 2011

سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (4-20) صدام اختار داره «مخبأ» لموت ولديه.. والواشي لم يقتنع بملايين الدولارات

سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (4-20)
صدام اختار داره «مخبأ» لموت ولديه.. والواشي لم يقتنع بملايين الدولارات
عرسان في المنطقة الخضراء.. لماذا ستكترث الحكومة لجثة طاغية؟
محمود الشناوي
readers 246
تصغير الخط تكبير الخط
الكاتب الصحافي محمود الشناوي في مكتب صدام حسين حيث أعتقل في حفرة في حديقة المنزل
في الوقت الذي كانت مناطق داخل المنطقة الخضراء تشتعل احتفالا باعدام صدام حسين بينما تجري في غرف مغلقة مفاوضات حول مصير جثمانه واذا ما كان سيتم دفنه في مكان سري أو يجري تسليمه الى ذوي صدام لدفنه في مسقط رأسه كانت حركة غير عادية من نوع آخر تجري في منزل رئيس الوزراء نوري المالكي داخل المنطقة الخضراء حيث كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق تجري للاحتفال بزفاف ابنه أحمد. ورغم أنه لم يتسن لأحد التأكد من حقيقة وجود ترتيب مسبق ان يتم الاحتفال بعرس أحمد نوري المالكي ليلة تنفيذ حكم الاعدام في صدام حسين الا ان مظاهر البذخ التي تخللت حفل العرس والتي منعت السلطات تصويرها بأي شكل بعد ان تمت مصادرة كاميرات وهواتف المدعوين تؤكد ان حفل الزفاف ربما يعني لأصحابه فرحتين (فرحة النصر على عدو يوم الاحتفال بعيد الأضحى.. وفرحة النشوة باتمام العرس).

ويفسر البعض اصرار المالكي على تنفيذ حكم الاعدام في هذا اليوم تحديدا وهو يوم عطلة رسمية وتهديده للسفير الأميركي الأسبق زلماي خليل زاد بأنه سيعقد مؤتمرا صحافيا يفضح فيه التدخلات الأميركية في الشأن الداخلي العراقي ما لم يوافق الأميركيون على تسليم صدام لاعدامه هو دليل على ما أشيع من ان المالكي أقسم أمام ابنه وعدد من أهل بيته ان رأس صدام هو هدية المباركة لابنه وزوجته وأنها المفاجأة التي أعدها لهذا الزفاف منذ شهرين.

وقد حضر الحفل الذي جرى وسط مظاهر من البذخ الشديد عسكريون أميركيون وموظفو السفارة الأميركية ومنع رجال الحماية جميع النساء من اصطحاب الهواتف النقالة باستثناء اسراء ابنة المالكي نفسه التي كانت تصور الحفل بكاميرا ديجتال من نوع سوني .

الرحلة إلى تكريت

لكن دعونا ننتقل الى تفاصيل الرحلة الى قبر صدام في العوجة، فعندما تعبر بوابة تكريت، التي تبعد عن بغداد نحو 175 كيلومترا شمالا تصل الى قرية العوجة مسقط رأس صدام حسين التي ظلت على علاقة طيبة مع عشائر الجبور سكان (ناحية العلم) الأساسيين رغم الاتهامات التي وجهت لبعضهم حول التورط في اغتيال صدام حسين عام 1991.

وبنظرة واحدة على بيوت تلك القرية تتبدد كل المقولات حول منح سكانها لأية امتيازات في عهد الطاغية كما يردد المعارضون فبيوتها شديدة البساطة حتى ان بعضها بقي على حاله منذ بنائه بالطوب الأحمر..أما شوارعها فهي كبقية شوارع العراق من حيث كمية الحفر والمطبات وفوضى الأرصفة .

وعبر طريق ممهد على يسار الشارع العام، الذي يشطر قرية العوجة مسقط رأس صدام حسين والتابعة لمدينة تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين الى نصفين، يمكن للزائر ان يصل الى مضيف يشبه في تصميمه مساجد البلدة تحيطه مساحات من الأرض المزروعة بالخضرة والأشجار والنخيل. ويقوم على رعاية هذا المضيف مجموعة من شباب عشيرة البيجات التي ينتمى اليها صدام حسين وهم يستقبلون الضيوف والمعزين الذين يتوافدون على قبر الرئيس السابق.

القاعة الرئيسة للقبر

قبل ان تدخل القاعة الرئيسة التي تضم القبر تفاجئك لوحة زيتية تحتل الجدار الأمامى للقاعة وقد كتب عليها قصيدة طويلة من شعر الداعية السعودي الشهير عائض القرني يشيد فيها بصدام حسين ويمجده..ويحرص المقيمون على المكان ان يبرزونها ويوجهون الضيوف الغرباء اليها لقراءة ما بها من أبيات قبل الدخول الى هذه القاعة. وتعلو القاعة قبة تم تزيينها بنقوش اسلامية وآيات قرآنية بينما تحتل جدرانها لوحات زيتية وأخرى مصورة لصدام حسين مع بعض الحوائط الخشبية التي تضم مقتنياته والهدايا التي تلقاها أو تلك التي قدمها أفراد وجماعات لتكون حاضرة في قبره الذي لا يرتفع أبداً عن مستوى أرضية القاعة بينما تم وضع الكثير من الورود فوق القبر في مشهد لافت مع مصحف كبير يستند الى حامل خشبي أثري ومقعد تم جلبه من أحد قصور صدام التي تم نهب محتوياتها سواء في قريته «العوجه» أو في تكريت.وفي الجانب الأيسر من القاعة التي تضم القبر تم وضع «دفتر تعازي» حتى يكتب الزائرون كلمات الرثاء وتسجيل ذكرى مرورهم بالمكان.

عند الوقوف الى جانب القبر تجتاحك نوبة من الأفكار عما يحويه هذا القبر المنطمس تحت الأرض من أسرار احتفظ بها صاحب الجثمان ولن تكشف أبدا لتبدأ موجة من التساؤلات التي يتطوع الكثيرون للاجابة عنها، بعلم أو دون علم، ويقص هؤلاء على الزائر الاستثنائي الكثير من الحكايات عن بطولات وانكسارات عن أفراح وأتراح عن قليل من الوفاء وكثير من الخيانات. انهم يقصون الكثير من الروايات عن ما تبقى من آثار لهذا الرجل الطاغية الذي حكم البلاد والعباد أكثر من 30 عاما بكل ما حملت هذه السنوات من أحداث غيرت وجه المنطقة وتأثر بها ليس العراق فقط، وانما الخليج كله والعرب جميعا.. بل والعالم بأسره .

الحقائق والأساطير

حكايات تغلفها الدهشة تقترب الى الأساطير أكثر منها الى الحقيقة عن الأيام التي سبقت بدء الحرب الدولية على العراق، وكيف قضى صدام تلك الأيام غير عابىء بما يجري وانما كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق للاحتفال بيوم ميلاده كما جرت العادة على مدى سنوات حكمه الطويل وكيف كان رجاله يجهزون الميادين في بلدته العوجة ومدينتها تكريت لاستقبال «المهيب الركن» في كرنفالات لا يوحي مظهرها الاحتفالي بما تمر به البلاد والبلدان الأخرى من أحداث وما تنتظره المنطقة والعالم من كوارث، بينما تتزين قصوره التي يحتاج المرور على محيطها فقط ساعات عدة بين أبنية شاهقة وبحيرات صناعية وحدائق غناء استحالت بعد ذلك الى خراب ودمار وبقيت شاهدة على عصر مازال محل جدال عصي على الحسم ويبدو أنها ستبقى كذلك طالما دفنت الأسرار العظمى مع صاحبها في قبر مثل كل القبور .

ويروي القائمون على المكان والزائرون العابرون كيف سقط صدام حسين في قبضة القوات الأميركية مؤكدين اقتناعهم تماماً بما أقر به صدام نفسه بان قيس النامق صاحب المزرعة التي كان مختبئاً فيها هو من سلمه بعد ان أدلى تفصيلياً عن مكان القبو حيث تعرضت هذه المزرعة الى عدد من الحملات العسكرية التي كانت ترجع دون هدفها ولكن هذه المرة كانت القوات تعرف أين صيدها الثمين لينتهي - والى الأبد - أمر الرجل الذي حكم العراق بيد من حديد في مشهد بثته كل قنوات الدنيا واحتل صفحات الصحف والمجلات. ويضيفون ان صدام ظهر كثيراً في قرية العوجة بعد انهيار نظامه عام 2003 وفي أماكن قريبة جداً من تواجد القوات الأميركية مشيرين الى أنه عقد اجتماعات مهمة في بيوت العوجة مع المرافقين له بالقرب من تواجد الأميركيين ، لكنه لم يكن يتواجد بأي مكان أكثر من ساعتين.

وبقدر ما كان صدام مثيرا طوال سنوات حكمه بقراراته التي أثقلت بلاده والعالم، تمتد الحكايات بشكل أكثر اثارة بعد موته لتروي أحداثا يحتفظ كل من يرويها بحق أنها الحقيقة الوحيدة رغم اختلاف كل رواية عن الأخرى وهو ما يجعل الزائر يتوقف طويلا أمام قبر صدام قبل ان يكمل رحلته الى باقي حدود المكان الذي يضمه، والذي يحوي أيضا المزيد من الحكايات والأسرار .



غرف القبر

تحيط بالقاعة الرئيسة التي تضم قبر صدام مجموعة من الغرف التي يمنع القائمون على المكان الزائرين من الدخول اليها حيث تضم احدى هذه الغرف مكتبا لصدام حسين يحيط به صالون كان يستقبل فيه الضيوف ورغم بساطته الا ان أحداً من المشرفين على القبر قال ان هذا المكتب شهد اجتماعات هامة بقيادات عراقية كبيرة في أحد منازل القرية قبل ان تدخل القوات الأميركية الى بغداد وتواصل انتشارها في باقي مناطق العراق ومنها تكريت.

وروى هذا الشخص - الذي رفض ذكر اسمه خشية الملاحقة - ان المكتب وصالون الاستقبال المتواضع كان في أحد البيوت العادية من القرية وليس أحد القصور ولهذا كان بعيدا عن التوقعات في ان يكون صدام وقادته بداخله يعقدون اجتماعات أو يديرون المعارك وتم جلبه بعد تعرض معظم قصور صدام للقصف من جانب القوات الأميركية، ثم تعرض معظم مقتنياتها للنهب والضياع، أما الغرفة الأخرى فتضم احدى غرف النوم التي كان يستخدمها صدام حسين وتم جلبها من أحد القصور التي تعرضت للقصف والنهب أيضا وقد وضع القائمون على المكان علم العراق فوق السرير .

ويؤكد القائمون على المكان ان الكثير من الوثائق والمتعلقات الشخصية - التي تعتبر ثروة للباحثين - تم اخفاؤها أو التخلص منها بعد دخول القوات الأميركية الى محافظة صلاح الدين وحتى قبل ان يسقط صدام حسين في قبضتها بدافع الخوف من سقوطها في قبضة القوات الأميركية فتكون دليلا على علاقة من يقتنيها بصاحبها (صدام) أو الرغبة في الاحتفاظ بها كشواهد ربما يكون ثمنها باهظا ذات يوم.

سيف ذو الفقار

يقودك المشرفون على المكان الى قاعة كبيرة تمتد على جوانبها صور صدام حسين وولديه عدي وقصي وحفيده مصطفى بينما تنتشر بعض أغراضه الشخصية ومنها أحد السيوف الذي كان يحرص على الاحتفاظ به ويسمى سيف «ذو الفقار» الذي ينتهي بمقبض معدني وله نصلان في المقدمة ويزن حوالي 20 كيلوغراما حيث أوضح أحد المرافقين ان هذه القاعة الكبيرة كانت مضيفا يستقبل فيه صدام شيوخ العشائر أو المواطنين الذين يأتون طلبا للعون والمساعدة. ووفق المصدر فان هذه القاعة هي التي شهدت الاجتماع العشائري المريب الذي تم خلاله اتخاذ القرار بتصفية حسين كامل زوج رغد ابنة صدام حسين وشقيقه صدام كامل زوج رنا بعد عودتهما من رحلة الهروب المرعبة التي كشف خلالها حسين كامل أسرار العراق النووية وحاول حشد قوى من المعارضة العراقية المقيمة بالأردن الا ان جهوده فشلت بسبب شكوك المعارضة فيه، وأنه ربما يكون أحد الجواسيس الذين أرسلهم صدام وما يقوم به ما هو الا تمثيلية مكشوفة وهو ما اضطره الى العودة بعد ان حصل على وعد بالأمان من جانب صدام بعدم التعرض له أو قتله الا ان قرار العشيرة كان هو القتل جزاء لما اعتبروه خيانة.

قتل حسين كامل

وكما تتعدد الروايات عن اعتقال صدام وكيف قضى أيامه الأخيرة قبل ان يسقط في قبضة القوات الأميركية تتعدد الروايات عن كل من يخصه من تفاصيل وأحداث ومنها قضية قتل حسين كامل وشقيقه بينما يؤكد القريبون من الأمر ان القضية عشائرية لم تكن لتكون نهايتها غير ما جرى باعتبار ان ما ارتكبه الشقيقان ما هو الا خروج عن تقاليد العشيرة والحكم فيهما يصدر بقانون العشيرة وليس الدولة. وتمرد حسين كامل على عمه وصهره صدام في سنة 1994 هو وزوجته وهربا الى الأردن في مشهد تابعه العالم كله، وقيل ان حسين أدلى بمعلومات مهمة عن أسرار نظام عمه وكان منها معلومات نووية، ولكن بعد فترة بعد انتشار الخبر قام صدام باصدار بيان عفو عن حسين كامل وابنته. وعاد حسين كامل الى العراق مع شقيقه صدام كامل وفي اليوم الثاني أرسلت دبابات الى منزل حسين كامل وقامت بهدمه الى الأرض وأعلن في العراق ان عشيرته هي التي قامت بتهديم المنزل.

نعود للقبر، ففي زاوية من الحديقة التي تضم القبر والقاعة الرئيسة التي تضم المقتنيات تقبع سبعة قبور أخرى لا يوحي مشهدها بأهمية أصحابها ولا يؤشر وضعها بهذه الصورة التي شاهدتها على الأحداث التي سبقت مجىء أصحابها اليها وما رافق حياتهم ومماتهم من قصص تحمل الكثير من الدراما لأشخاص حكموا وتحكموا تلاحقهم المسؤولية التاريخية والدينية عن الكثير مما جرى للبلاد والعباد .

قبر الكيماوي

يداهمك مشهد القبر الأول الذي لا يحمل شاهدا يدل على صاحبه وهو قبر علي حسن المجيد المشهور بلقب «علي الكيماوى» الذي تم اعدامه بعد صدور ثلاثة أحكام بالاعدام ضده في قضايا كان لها الكثير من الضجيج الاعلامي نظرا لمكانة الرجل ابان حكم صدام حسين وما يحتله من مواقع تتيح له الكثير من الصلاحيات والامكانيات الا ان قبره البسيط يجعل من يزوره يشعر بمرارة الصراعات وزهو الحكم الزائل وقيمة كل زخارف الدنيا التي لن يكون للانسان نصيب فيها غير حفرة مظلمة ورداء ليس له جيوب وقبر ربما لا يحمل شاهدا باسمه. تصطف بجوار القبر الذي لا يحمل شاهدا ستة قبور أخرى لأشخاص ملأوا الدنيا ضجيجا وطالما احتلت صورهم صدر صفحات الجرائد والمجلات سواء ابان تولي صدام حسين السلطة أو حتى بعد سقوط نظامه عند دخول القوات الأميركية على قلب بغداد في 9 أبريل عام 2003 وما تلا ذلك من وقائع ستظل تفاصيلها والكثير من أسرارها في ذمة التاريخ وربما لا تخرج عن حدود قبور أصحابها .

تقول الشواهد التي تتقدم القبور الثلاثة الأولى أنها تخص كلا من عدي وقصي صدام حسين ومصطفى ابن قصي الذين كان مقتلهم بحد ذاته واقعة غريبة تغلفها الكثير من الخفايا عن حقيقة الايقاع بهم وكيف واجهوا الموت وكيف جرى التعرف اليهم وترميم جثثهم لتبدو أمام الجميع حقيقة واقعة بان عصر صدام حسين انتهى.

دار صدام نهاية لأولاده

تتعدد الروايات عن الواشي والدليل وأين ذهب وكم تلقى من ثمن نظير الوشاية ولماذا اختار صدام حسين شخصيا داره لتكون مخبأ النهاية لأولاده وكيف قادهم بنفسه الى الرجل الذى وشى بهم بعد وصولهم بحوالي ساعة فقط الى داره حاملين مئات الملايين من الدولارات والكثير من الأسرار للدولة المتهاوية والكثير من الثقة في صاحب الدار الذي ربما أراد بالابلاغ عنهم دفع أذى الأميركيين عنه. فيما تشير الشواهد الثلاثة الأخرى الى أنها قبور كل من طه ياسين رمضان الذي كان نائبا للرئيس العراقي صدام حسين وبرزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام والذي شهدت عملية اعدامه حادثة فريدة أثارت الكثير من الجدل وهي انفصال رأسه عن جسده ما فتح الباب واسعا لروايات عن اعدامه ذبحا وليس شنقا انتقاما منه، وكذلك عواد حمد البندر وهو القاضي الذي حكم بالاعدام على منفذي محاولة اغتيال صدام حسين في الدجيل عام 1982 وهو والد المحامي الذي أوصى صدام حسين بان يعود اليه المصحف الذي رافقه طوال محاكمته الى ما قبل اعدامه . وفي ذكرى اعدامه، يزور العشرات من تكريت والعوجة والمتهمون قبر صدام حسين ، فيما تقوم عشيرة البيجات بالاستعدادات لاستقبال الزوار والضيوف بما يشبه الطقس الاحتفالي السنوي. ويقول القائمون على القبر وهم من البيجات، ان أعداد الزوار تتكثف في ذكرى اعدامه (في 30 ديسمبر) عن بقية شهور السنة ويحرص الزوار على اصطحاب الصور التذكارية والتوقيع بدفتر الزوار .
... وفي غرفة نوم الطاغية المخلوع

هناك تعليق واحد: