مدونة العرب الان
موقع سياسي عربي ...
الأربعاء، 26 يناير 2011
الصين في عيون الولايات المتحدة
The Economist
صحيح أن أوباما يريد الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، لكن ديمقراطيين آخرين يرون أن السياسة الحمائية هي الجواب الشافي للتعامل مع الصين، أما بالنسبة إلى الجمهوريين، فهم يتخذون من الصين مبرراً لحث أميركا على بذل المزيد، ويعتبر نيوت غينغريتش، أحد المرشحين المحتملين للرئاسة، أن احتمال تفوق بكين على واشنطن في مجال التكنولوجيا هو أحد «التهديدات الكارثية الممكنة» التي تواجهها البلاد.
قبل فترة طويلة من جلوس الرئيسين الأميركي والصيني على العشاء معاً في البيت الأبيض، عشية 18 يناير، عبر المقربون من باراك أوباما عن أن انحسار عدد المشاركين في عشاء العمل يشير إلى نشوء حميمية جديدة في العلاقات بين البلدين. فبدل حضور حشد كبير من أتباع الطرفين، كما يحصل في العادة، حضر ستة أشخاص لا أكثر: أوباما وهيو جينتاو، مع مستشارَين لكل منهما (في حالة أوباما، حضرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومستشاره الأمني توم ديلون). بحسب البيت الأبيض، يثبت ذلك مدى تحول العلاقات بين الطرفين. بعد سنتين على تولي أوباما الرئاسة، عقد الرئيس سبعة لقاءات مباشرة سابقة مع نظيره الصيني، وقد قابل أيضاً رئيس الحكومة الصينية وين جياوباو ثلاث مرات.
كان ذلك الموقف الأخير أحد المؤشرات التي عبرت عنها إدارة أوباما هذا الأسبوع، لكن كانت الرسائل التي انبثقت عن القمة مختلطة جداً، كما لم تكن يوماً على مستوى العلاقات الصينية الأميركية. في اليوم الذي تلا عشاءهما الحميم، قال أوباما، خلال مؤتمر صحافي، إن العملة الصينية تستحق رفع قيمتها، وإنه كان «صريحاً جداً» مع هيو في مجال حقوق الإنسان، ولكن «نشوء الصين بطريقة سلمية» كان أمراً إيجابياً بالنسبة إلى العالم والولايات المتحدة. وقال هيو من جهته إن الصين يتوجب عليها بذل المزيد على مستوى حقوق الإنسان، لكن يجب إدارة العلاقات على أساس «مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر». وفي بيان رسمي مشترك، رحبت الصين بدور الولايات المتحدة باعتبارها قوة دافعة نحو إرساء الاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بينما رحبت الولايات المتحدة بـ»نجاح الصين التي تؤدي دوراً أكبر في شؤون العالم». وتعهد الرجلان بتعزيز الروابط العسكرية المباشرة والشفافة بين الطرفين.
تُعتبر الرسائل المختلطة أمراً طبيعياً في عالم الدبلوماسية، ويفهمها جيداً القادة من كل طرف، ولا شيء يدعو إلى الخجل في هذه الرسائل. تميل الخصومة المحتومة بين الولايات المتحدة والصين إلى اتخاذ منحىً أكثر أماناً في حال ترافقت المواقف المُعلَنة بالعبارات المستهلكة المعهودة عن ضرورة ألا يتعامل البلدان كخصمين بأي شكل. هذا الأسبوع، استعمل أوباما عبارة «المنافسة الودية». غير أن السياسيين الأميركيين لا يوجهون حصراً رسائل مختلطة إلى نظرائهم في الصين، بل إنهم يوجهون رسائل مختلطة بشأن الصين إلى الأميركيين أيضاً.
من أبرز الأمثلة في هذا المجال، نذكر إصرار إدارة أوباما على فكرة أن نشوء قوة الصين تشكل تكراراً لحادثة إطلاق مركبة «سبوتنيك» السوفياتية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. لم يكن أوباما قد وُلد بعد في عام 1957، حين أطلق الاتحاد السوفياتي أول قمر اصطناعي إلى الفضاء ليدور حول الأرض، لكن يتذكر الجميع هذه اللحظة باعتبارها صدمة إيجابية في وجه تنامي مقاربة التساهل من جانب الولايات المتحدة. فدفع الخوف من تفوق الآخرين على الأميركيين بالحكومة الفدرالية إلى إنفاق مئات الملايين من الدولارات على الاختصاصات العلمية والتقنية وإنشاء وكالة «ناسا» الفضائية التي فازت، في عام 1969، بالسباق الفضائي عن طريق نيل أرمسترونغ وباز ألدرين الذي رافقه إلى سطح القمر.
هل يمكن أن يكون للمنافسة التي تفرضها الصين أثراً هائلاً مماثلاً في الولايات المتحدة؟ يبدو أن أوباما يأمل ذلك، فقد قال في الشهر الماضي: «لقد عادت لحظة إطلاق سبوتنيك إلى جيلنا. يجب أن نقوم بما اشتهرت الولايات المتحدة بفعله، أي البناء، والابتكار، والتعليم، وصنع الأشياء». كذلك، قام ستيفن تشو، وزير الطاقة في إدراة أوباما، باستذكار مركبة «سبوتنيك» على اعتبار أن استثمار الصين في موارد الطاقة النظيفة سيؤدي إلى تراجع مرتبة الولايات المتحدة إلا إذا استثمرت هذه الأخيرة في تلك التكنولوجيا أيضاً. يتذمر جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، من «أننا سبق أن شاهدنا عملية إطلاق مركبة سبوتنيك في السماء، ولكننا لم نقم بأمر يشبه ما فعلناه خلال الستينيات للرد على خطوة مماثلة».
لكن تكمن المشكلة في عدم وجوب المقارنة بين نشوء الصين ولحظة إطلاق «سبوتنيك». في المقام الأول، لم نشهد أي «لحظة» مفصلية حتى الآن، فقد نشأت قوة الصين بشكل تدريجي طوال سنوات من دون إثارة أي صدمة تُذكر، وفي المقابل، بنى الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة أنظمة اقتصادية منفصلة، بينما جمعت ظاهرة العولمة بين الأنظمة الاقتصادية الأميركية والصينية وأدت إلى منحهما إيجابيات متبادلة، ومع أن الصين تُعتبر منافساً جيوسياسياً، فإنها ليست عدواً مدمراً للولايات المتحدة كما كان الاتحاد السوفياتي (على خلاف نيكيتا خروتشوفا، لم يتعهد هيو يوماً بـ»دفن» الغرب). وحتى لو كانت كذلك، يرى معظم الأميركيين أنهم لا يزالون يتمتعون بتفوق عسكري ملحوظ. وفقاً لاستطلاع رأي أجراه «معهد بيو»، يعتبر قسم من الأميركيين أن قوة الصين الاقتصادية تشكل خطراً أكبر من قدراتها العسكرية، وتؤكد أغلبية منهم (58%) على ضرورة تعزيز العلاقة مع الصين.
قصة رعب لجميع المواسم
يمكن اعتبار أن مجرد تذكر حادثة «سبوتنيك» يعني ببساطة أن الولايات المتحدة تحتاج إلى التيقظ واتخاذ خطوات علاجية، لكن لا يمكن المقارنة فعلاً بين حادثة «سبوتنيك» وهذه «المنافسة الودية»، وما نفع تعزيز مشاعر الخوف من الصين إذا كان الأميركيون لا يتفقون على ما يجب فعله لحل المشكلة؟ ربما اتضح بعد حادثة «سبوتنيك» أن الولايات المتحدة ملزمة بالقيام باستثمار عام كبير في مجال التكنولوجيا. لكن لا وجود لأي إجماع على هذه الخطوة اليوم، صحيح أن أوباما يريد الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، لكن ديمقراطيين آخرين يرون أن السياسة الحمائية هي الجواب الشافي للتعامل مع الصين، أما بالنسبة إلى الجمهوريين، فهم يتخذون من الصين مبرراً لحث الولايات المتحدة على بذل المزيد، ويعتبر نيوت غينغريتش، أحد المرشحين المحتملين للرئاسة، أن احتمال تفوق الصين على الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا هو أحد «التهديدات الكارثية الممكنة» التي تواجهها البلاد، غير أنه يقترح تخفيض الضرائب وتقليص حجم الحكومة وتعزيز حرية الأسواق لحل المشكلة، بدل اللجوء إلى الاستثمارات العامة التي يفضلها الديمقراطيون.
تسهل ملاحظة السبب الذي يجعل من حادثة «سبوتنيك» عاملاً جذاباً بالنسبة إلى أوباما. ونظراً إلى جميع الأقاويل المنتشرة بشأن تهافت الصين على الاستثمار في البنى التحتية، لا يبدي الناخبون الأميركيون أي حماسة تجاه تعزيز إنفاق حكومتهم، وتحديداً بما أنّ تحمّل هذه التكاليف يستلزم ارتفاع الديون أو الضرائب، لكن قد تنشأ لحظة جديدة مشابهة لحادثة «سبوتنيك» من شأنها تغيير أفكارهم، ولكن خلال الستينيات، كان الأميركيون واثقين من أن نظامهم سينجح في تحقيق أهدافه، غير أنهم يشعرون بالحيرة اليوم بسبب نجاح النموذج الصيني، وهم منقسمون حول كيفية إعادة ترميم نموذجهم الأميركي الخاص، فيما لو كان الأمر ممكناً. يتعين عليهم حل هذا الصراع بحسب قيمهم الخاصة واستبعاد استراتيجية التخويف من الصين. قد يؤدي ذلك، على الأقل، إلى تحسين الجو العام خلال العشاء الرئاسي المقبل.
احداث من تاريخ مصر : الإسكندريّة عام 1882... يوميّات القمع والحصار والصمود
ا
مشهد من معركة يونيو 1882 |
أحداث جسام ألقت بظلالها على تاريخ مصر المعاصر، فقد استيقظ أهالي الإسكندرية في صباح 1 يوليو 1798 على وصول الأسطول الفرنسي إلى شواطئها، ليزاح الستار عن الحملة الفرنسية على مصر، فيما لم يكن في الإسكندرية من الجنود ما يكفي لصد الجيش الفرنسي الكبير المزوّد بالمعدات الحديثة، لكن لم يمنع هذا الأمر حاكم المدينة آنذاك السيد محمد كريم من الدفاع عنها بكل ما لديه من ذخيرة وعتاد فقاد المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين حتى بعد أن اقتحموا أسوار المدينة وظلوا فيها حتى هزيمتهم فى معركة أبي قير البحرية لتقف الإسكندرية في شموخ شاهدة على نهاية الفرنسيين.
لم تمضِ سنوات قليلة حتى أفاق أهالي الإسكندرية على هجوم جديد حين أرسلت إنكلترا حملة بحرية بقيادة «فريزر»، استولت على المدينة من دون قتال بسبب خيانة حاكمها التركي «أمين أغا» الذي سلّم المدينة للإنكليز في 28 مارس (آذار) 1807. وفي 19 سبتمبر (أيلول) 1807 تصدى أهالي منطقة رشيد بقيادة محافظها علي بك السلانكي للحملة الإنكليزية التي كان قوامها ألف جندي مسلّحين بأحدث الأسلحة، بينما لم يتجاوز عدد قوات إقليم رشيد الـ 700 جندي بقيادة السلانكي الذي عزم على مقاومة عساكر الإنكليز على رغم ضعف أسلحته واستطاع بالحيلة والدهاء ومعاونة الأهالي أن يهزم هذه الحملة الغادرة.
رحلت الحملة وبقيت الإسكندرية صامدة في وجه الأحداث فأصبحت خلال القرن التاسع عشر مركز التجمّع الرئيس للأوروبيين في مصر الذين زاد عددهم زيادة ملحوظة في البلاد خلال عصر الخديوي إسماعيل. لذا كان من الطبيعي أن تضم المدينة حياً خاصاً بهم كان أشهر ما فيه ميدان القناصل، حيث أقاموا حوله فنادقهم ومن أبرزها «آبات» و{أوروبا»، أما مقاهيهم فكانت كثيرة ومن أهمها: «القهوة الفرنساوية» في ميدان محمد علي.
عاشت المدينة سنوات عدة يسود الهدوء شوارعها وأحيائها، لا يكدّر صفو الحياة فيها إلا بعض المنغّصات والمناوشات الطبيعية بين الأهالي أو بين هؤلاء والأوروبين إلى أن جاء 11 يونيو 1882، يوم مذبحة الإسكندرية، يوم من الصعب نسيانه أو محوه من تاريخ المدينة، يوم اندلعت فيه شرارة العداء بين المصريين والأجانب المقيمين في مصر فكان بداية النهاية للمسرحية التي أعد الإنكليز فصولها ببراعة لاحتلال مصر، فالمدينة الساحلية الجميلة التي تحوّلت في لحظات إلى مسرح لمجزرة كبيرة وخراب لا يتصوّره عقل قد عاشت معاناة كبيرة لفترة امتدت لأكثر من 35 يومًا بداية من 11 يونيو 1882 مرورًا بـ 11 يوليو، وهو تاريخ ضرب المدينة بالمدافع بواسطة الأسطول الإنكليزي وما تلا ذلك من أيام بما فيها من أحداث تهجير المواطنين وحرق المدينة ثم احتلالها بواسطة القوات الإنكليزية.
بدأت الشرارة من مشاجرة نشبت بين مالطي ومصري على أجرة ركوب حمار فما كان من المالطي الذي كان من رعايا الحكومة الإنكليزية إلا أن طعن المصري وفرّ هاربًا داخل أحد البيوت التي يسكنها المالطيون واليونانيون، بعدها بدأ تبادل إطلاق النيران حتى سقط في هذه الحادثة عشرات الضحايا من الجانبين.
يدلّ الواقع والتاريخ على أن هذه الحادثة المشؤومة لم تكن وليدة اللحظة بل نتيجة لحالة من الغليان عاشتها الإسكندرية باعتبارها جزءًا من مصر... فمصر المحروسة كانت تشهد آنذاك حالة من السخط العام تحوّلت بمرور الوقت إلى ثورة كامنة داخل قلوب وعقول الكثيرين من رجال الجيش الذين عُرفوا في ما بعد برجال عرابي أو رؤساء الثورة العرابية، بالإضافة إلى نواب الأمة الذين سخطوا على أحوال البلاد في ظل حكم الخديوي توفيق والمراقبة الثنائية الإنكليزية والفرنسية على مالية البلاد، وهو الإجراء الذي فرضته الدول الأوروبية على مصر لضمان سداد الديون وحماية الدائنين ومن ثم اتخذته ذريعة للتدخل في أحوال البلاد والرعية، ما آثار سخط العلماء والأعيان والجيش، بالإضافة إلى الخطباء والزعماء الروحيين، أمثال الشيخ محمد عبده وعبد الله النديم، الذين ملأوا فضاء البلاد بالخطب الرنانة عن تردّي أحوال البلاد والعباد ووجوب القيام من العثرة، ما زاد الطين بلة. استمرت هذه التعبئة المسبقة لكل من المصريين والأجانب لفترة طويلة وبدأت بوقوع مصر تحت طائلة الديون التي تراكمت إبان عهد الخديوي إسماعيل الذي بسببها خلعته السلطنة العثمانية عن عرش مصر بإيعاز من الحكومتين الإنكليزية والفرنسية. بعدها ولّت الحكومتان ابنه الخديوي توفيق لتتمكّنا من التدخل في شؤون مصر المالية بواسطة المراقبين الثنائيين الإنكليزي والفرنسي بحجة رد الأموال للدائنين والبنوك الأجنبية، وهذا ما تم لهما بالفعل... فبدأ التدخل بشكل بسيط حتى تحوّل إلى تسلّط كامل على شخصية الخديوي توفيق الذي كان يبلغ من العمر 26 سنة وكان يقال عنه إنه كان ضعيف الشخصية منقاداً للأقوى.
شهدت الإسكندرية أحداث المذبحة تبعتها أحداث الثورة العرابية وضرب المدينة من الأسطول الإنكليزي لتشهد مصر بداية لمرحلة خطيرة في تاريخ البلاد استمرت لسنوات وسنوات لتكون المدينة كعادتها مسرحًا لأحداث فاصلة في تاريخ مصر الحديث.
يبقى الـ 1882 عاماً مليئاً بالحكايات الحزينة التي عاش أبطالها في قمع وحصار وتخريب من المحتل، الذي عاث بالبلاد دمارًا وخرابًا ليصبح عام عاماً مليئاً بالذكريات المريرة.
الجمعة، 14 يناير 2011
سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (4-20) صدام اختار داره «مخبأ» لموت ولديه.. والواشي لم يقتنع بملايين الدولارات
| |||||||
|
سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (3-20) يكتاتور عاد إلى منطقه الثأري حين تأكد من موته: «دمي برقبة الدوريين»
| |||||||
|
سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (2-20) الرحلة الأخيرة برعاية الـ «أواكس».. 30 عاماً من الظلم «في حفرة بائسة»
| |||||||
|
سقو\ الإمبراطورية و الديكتاتور (1-20)
مفاوضات عسيرة قبل الدفن.. ومخاوف من إشاعات بقائه حياً أنهت توتر بغداد - تكريت
محمود الشناوي |
327 |
الطاغية المخلوع بعد اعتقاله في «حفرة الجرذان» |
وفي هذا الكتاب «سقوط الامبراطورية والديكتاتور» يروي الكاتب الصحافي المصري محمود الشناوي يوميات ومشاهدات في عراق ما بعد صدام حسين انطلاقا من اسرار اللحظات الاخيرة في حياة الطاغية ومفاوضات نقل جثته ودفنه العسيرة وواقع الحال في تكريت حيث انتهى الى قبره البسيط في تحدي قصوره التي تكاد لا تحصى لينتقل الى سرد مفصل حول حياة العراقيين تحت رحمة الميلشيات المسلحة ودولة «القاعدة» وصروف غريبة من الفساد والفوضى تركت العباد تحت رحمة أمزجة لا تعرف سوى القتل حلا لأي مسألة تعترضها، و«النهار» تنشر على مدى 20 حلقة رحلة الكاتب في «أرض النار» حيث صورة العراق المتحولة بأثر ارث الطاغية ووجود الاحتلال والأجندات الغريبة التي تناهبت واقعه وربما مستقبله. في السادسة الا خمس دقائق (بتوقيت بغداد) من صباح يوم السبت، الثلاثين من ديسمبر عام 2006 الموافق العاشر من ذي الحجة جاء صوت مراسل قناة « الحرة عراق» عمر محمد عبر الهاتف ليؤكد تنفيذ حكم الاعدام شنقا في صدام حسين بعد ليلة طويلة انتظارا للخبر الذي احتل شاشات وصفحات الجرائد في العالم وقد بات الآن بالنسبة لي خبرا مؤكداً أي اعدامه - بعد ترقب لا آخر له لتصريحات المسؤولين العراقيين ليلة وقفة عيد الأضحى (الجمعة).
كانت ليلة عيد الأضحى طويلة بما يكفي لم يقطعها أو يمرر وقتها سوى تصريح من مسؤولين هنا وهناك عن استعداداهم لتنفيذ الحكم التاريخي باعدام الديكتاتور.. لكن هل يمكن ان يتم اعدامه في صباح عيد الأضحى المبارك؟.. بات هذا سؤال الصحافيين والسياسيين ورجل الشارع.. البعض يتشكك في امكانية حدوث ذلك لتخوفات من مخاطر أمنية قد تحدث في محافظة تكريت حيث مسقط رأس صدام لكن آخرين أرادوا ان يكون العيد عيدين والأضحية أضحيتين وبين الجانبين ظل الجميع يحاول الوصول الى الحقيقة .
استعدادات الإعدام
قال مسؤول بارز بوزارة العدل وقال مسؤول رفيع المستوى فضَّل عدم الكشف عن هويته «نحن مستعدون» وأكد القاضي في محكمة التمييز منير حداد، الذي أشرف على عملية الاعدام، استعداد السلطات العراقية لعملية الاعدام ، بل وأضاف «كل الاجراءات تم اتخاذها.. أنا جاهز للحضور ولا يوجد سبب للتأجيل». لكن كل الأعين كانت مصوبة باتجاه المنطقة الخضراء وتحديداً مكتب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي انتظاراً لموعد تنفيذ الحكم بالضبط بلا أي جدوى حيث لم يصرح المالكي بشيء، وان سرّب حلفاؤه السياسيون والمقربون ان الحكم لن يتأخر وسيتم في صباح أول أيام عيد الأضحى والرجل نفسه أطلق تصريحاً شهيراً في التلفيزيون العراقي ليل الجمعة السبت، قال فيه «لا رجعة في الحكم ولا تأخير في تنفيذه» ومن هنا لم تنم لا تكريت ولا بغداد ولا أي مدينة عراقية .
حالة غموض
وزاد غموض الموقف الساعات التي تلت تنفيذ حكم الاعدام، خاصة مفاوضات الساعات الأخيرة التي سبقت دفنه وصراع الارادات السياسية بين من يريد طمس قبر الديكتاتور الى حين، ومن يريد الفوز بجثمانه لاعادة الانتقام من جديد، ومن يريد اقتناص فرصة للثراء اذا ما باع الجثة لأعدائه من العراقيين أنفسهم الذين انتظروا كثيرا انتهاء عصر جمهورية الخوف التي أسسها صدام على مدى فترة حكمه للعراق داخليا وخارجيا، وبين من يرى ان صدام ليس شخصاً عادياً وانما هو رمز لدولة العراق، وأنه يجب ان يتم دفنه بشكل يليق برئيس جمهورية سابق أو على الأقل دفنه بكرامة في مسقط رأسه كما أوصى، وبين من يريد ان يتم دفنه بشكل عادي يحمل بعض اللياقة برجل كتب بعض سطور التاريخ بقراراته وحروبه وصداقاته وعداواته حتى تنتهي أسطورة الخوف بهدوء ويغلق باب ردود الفعل التي تسكب الزيت على نار العراق المحترق بفعل الفتنة الطائفية التي تأكل أبناءه من سنة وشيعة.
خيوط اللعبة
هناك رجل واحد كانت عنده خيوط اللعبة.. يعرف حدود التفاوض..مخاطر الانتظار بلا قرار.. مكامن الخطر في تعثر سير المفاوضات .. مكامن القوة لدى الكارهين ومكامن القوة لدى المطالبين بالرحمة..سيناريوهات الرعب التي تنتظر البلاد والعباد اذا جرى ما يسوء بسبب اغفال أي احتمال في عملية تسلم الجثة ونقلها ودفنها.. هوعبد الله حسين جبارة الجبوري نائب محافظ صلاح الدين وقت الأزمة وكان ضابطاً سابقاً في الجيش العراقي يتحدث اللغة الانكليزية بطلاقة وله امتداد عشائري وعائلي عريق ويحكم محافظة صلاح الدين فعليا منذ ان أسند اليه محافظها الأسبق اللواء حسين جاسم جبارة مهام التنسيق مع القوات الأميركية عندما تولى منصبه كأول محافظ لصلاح الدين عقب الاحتلال الأميركي كما يرتبط بعلاقات طيبة مع العراقيين والأميركيين على حد سواء ليس فقط لوضعه العشائري، وانما لأنه رجل من هذا الصنف الذي يحتاج اليه أي حكم رشيد حتى ينجح في ادارة شؤون البلاد والعباد .
وفد صلاح الدين
ويروي أبو خالد كما ينادونه في بلدته «العلم» في سهرة ربيعية على ضفاف نهر دجلة وعلى مدى حوالي خمس ساعات ما جرى وكيف سارت الأمور في لحظة تاريخية فارقة كان يمكن ان تقلب الأوضاع في عراق يحترق وتحيل أرضه السواد الى حرائق لا يسكت لهيبها أبدا حيث يقول «عندما صدر الحكم باعدام صدام حسين وتمت المصادقة عليه كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لنا حيث كنا نتوقع ان يتم تأجيل التنفيذ نظرا لخطورة الأمر وتأثيره الكارثي على الأوضاع بالبلاد خلال تلك الفترة من عام 2006 الا ان الأمور كانت تسير الى جهة تنفيذ الحكم لا محالة ولهذا سافرت الى بغداد بصحبة محافظ صلاح الدين حمد الشكطي ترافقنا السيدة ستيفاني مايلو ممثلة السفارة الأميركية في صلاح الدين التي كان لها دور كبير في انجاز المهمة حيث طلبت منها تحديد موعد مع قائد القوات الأميركية في العراق والسفير الأميركي ومايمكن من مسؤولين عراقيين لمناقشة التطورات والسيناريوهات التي يمكن ان تحدث في حالة تنفيذ الحكم باعدام صدام حسين. ويضيف «وبالفعل غادرنا على متن طائرة هليكوبتر أميركية مساء الأربعاء 27 / 12 / 2006 لنبيت في فندق الرشيد داخل المنطقة الخضراء والتقينا السفير الأميركي وقائد القوات الأميركية صباح اليوم التالي وتحدثت اليهما عن انعكاسات تنفيذ حكم الاعدام على الوضع الأمني بشكل خاص وعلى الوضع العراقي بشكل عام..طرحت العديد من النقاط وطلبت عدم تنفيذ حكم الاعدام في الوقت الراهن لأسباب عديدة أهمها تدهور الوضع الأمني».
هواجس وتصورات
ويقول أيضا «بعد لقاء المسؤولين الأميركيين التقيت نائب الرئيس السني الدكتور طارق الهاشمي الذي يرأس الحزب الاسلامي وصاحب النفوذ الواسع في محافظة صلاح الدين وطرحت النقاط والهواجس نفسها والتصورات بالاضافة الى أفكارنا حول الموضوع، وعدنا بالطائرة الاميركية مساء اليوم نفسه (الخميس) حتى نجهز لاحتفالات عيد الاضحى التي كانت ستحل يوم السبت 30/ 12/2006، وبينما كنت أؤدي صلاة العيد في المسجد وبعد انتهاء خطبة العيد جاء أخي محمد وأخبرني بأنه جرى تنفيذ حكم الاعدام في صدام حسين خرجت مسرعاً من المسجد واتصلت بالمحافظ الذي أخبرني بأنه يحاول الاتصال بي منذ فترة بعد ان أبلغته رئاسة الوزراء بأنه تم تنفيذ الحكم طالبين الحضور للمشاركة في دفن جثمان صدام حسين في مكان سري ببغداد حتى يأتي وقت مناسب للاعلان عن المكان أو نقله للدفن في مكان آخر وأنه جهز موكبه وأفراد حمايته للسفر الى بغداد ويريد معرفة رأيي.
ويقول أبو خالد: قلت للمحافظ ان صدام حسين أعدم ولكن علينا ان نحاول جلب جثمانه الى مسقط رأسه في تكريت ودفنه باحترام، لأنه رئيس دولة سابق لمدة أكثر من 30 عاماً وطلبت من المحافظ الاتصال برئاسة الوزراء واخبارهم بان وفدا سيضمني الى جانب شيخ عشيرة البيجات علي الندا سيذهب الى بغداد بصحبة المحافظ لاستلام جثمان صدام حسين ودفنه في تكريت وفي حالة رفضهم ذلك نعتذر عن الذهاب لنكون شهودا على دفن صدام في مكان سري كما أرادوا.
رفض الحكومة
ويفسر أبو خالد طلبه هذا قائلاً: طلبت هذا الأمر ليس حبا في صدام حسين لأنني أعتبره مسؤولا عن كل ما جرى للعراق والعراقيين سابقا بسبب سياساته الخاطئة ولكنني كنت أخشى ان تقوم الميليشيات المسلحة أو تنظيم «القاعدة» بخطف الجثمان وبيعه لايران أو اسرائيل لكي يهان هناك وتقام عليه حفلات التشفي وتصبح وصمة عار في تاريخ العراقيين تستمر لعشرات بل ومئات السنين.. كنت أخشى ان يقول الايرانيون أو الاسرائيليون للعراقيين ويفتخرون بان صدام الذي حاربهم دفع الثمن باهظا.. وان هذا قبره تحت أقدامنا وهذا ما دعاني للاصرار على جلب جثمان صدام حسين ودفنه في تكريت تحت اشرافنا.. وقد أيدني المحافظ وقال سأتصل بك بعد ان أتصل بهم.. ثم عاد واتصل بي بعد قليل وقال أنهم يقولون «لا تفكروا بهذا الأمر مطلقا.. وقلت أنا بدوري لن نذهب مطلقا» بعد ذلك اتصلت بالسيدة ستيفاني وأخبرتها بتفاصيل ما جرى وطلبت المساعدة في اقناع الحكومة العراقية بجلب الجثمان ودفنه في تكريت لان عدم حصول ذلك سيؤدي الى اشعال نار الفتنة والفوضى والمشاكل الأمنية التي لا يمكن لأحد ان يحدد مداها.. وشرحت لها أهمية أنه لابد ان يدفن باحترام بعد ان تم اعدامه يوم العيد المقدس لدى المسلمين وما لذلك من آثار نفسية.. وقد اقتنعت المسؤولة الأميركية بهذا الرأي وأيدت طلبي بضرورة دفنه في تكريت.. واستمرت الاتصالات وسط رفض السلطات العراقية لطلب دفن صدام حسين في تكريت باشراف أهله وعشيرته .
على أعلى المستويات
ويضيف: بعدها أبلغتني السيدة ستيفاني بان الأمر الآن مطروح على أعلى المستويات في الولايات المتحدة الأميركية وسنستمر بالضغط لمتابعة الموضوع.. وفي تلك الأثناء كنت على اتصال بالمحافظ وأخبرني أنه تعرض لضغوط كثيرة للسفر الى بغداد وانهاء الأمر الا أنه رفضها وتمسك بالموقف الموحد وهو تسلم جثمان صدام حسين ودفنه في تكريت. وفي حدود الساعة الثانية والنصف ظهرا من يوم السبت والكلام لـ «أبي خالد» أخبرني المحافظ أنهم اتصلوا به من رئاسة الوزراء وأبلغوه بالحضور للتفاوض حول الأمر وأخبرته ان هذه نقطة جيدة تدل على حلحلة الموقف وأننا سنذهب الى بغداد على شرط ألا نحضر مراسم الدفن في بغداد مهما كانت الظروف اذا لم نستطع الحصول على جثمان صدام لدفنه في تكريت.
الأميركيون على الخط
ويستطرد أبو خالد قائلا: اتصلت بالسيدة استيفاني وأخبرتها بأننا يجب ان نذهب الى بغداد ونريد تأمين طائرة لهذا الغرض وكان لديها علم بالأمر وقالت ان الطائرة جاهزة لنقل الوفد الى بغداد.. ولقد استقل الوفد الطائرة من قاعدة سبايكر وهي قاعدة الكلية الجوية سابقا وتقع شمال غرب تكريت وأقلعت في تمام الخامسة مساء مع غياب الشمس ورافقنا من الجانب الأميركي العقيد مارك ادمون معاون آمر اللواء الأميركي المسؤول عن محافظة صلاح الدين آنذاك. ويقول: وصلنا الى مهبط طائرات بجوار القصر الجمهوري داخل المنطقة الخضراء ووجدنا سيارات من رئاسة الوزراء في انتظارنا لاصطحابنا بعد ان اعتذر العقيد مارك عن مرافقتنا الى رئاسة الوزراء باعتبار ان هذا شأن عراقي وان دوره انتهى ولا يمكن ان يتدخل في الأمر الا أنه سيبقى في الانتظار لنقل الجثمان بالطائرة اذا وافقوا على تسلمنا له وطلبت ان يرسل المترجم الخاص لآمر اللواء وهو أميركي من أصل مصري يدعى عمر بغرض تأمين الاتصال بالأميركيين عند الحاجة .
ويضيف: وصلنا الى مقر رئاسة الوزراء في السابعة والنصف مساء ودخلنا احدى القاعات الخاصة وكان بها عبدالكريم العنزي وزير شؤون الأمن الوطني آنذاك والدكتور محمد سلمان مستشار رئيس الوزراء والدكتور طارق نجم مدير مكتبه، وبعد تبادل المجاملات والشاي بدأ العنزي بالتحدث عن العاطفة والمسؤولية، وبين لنا ان المسؤولية تستوجب الحفاظ على أرواح العراقيين وان نقل جثمان صدام بشكل علني قد يؤدي الى حوادث أمنية خطيرة لذلك فان الحكومة قررت دفنه في مكان سري وان علينا حضور مراسم الدفن لنكون شهداء على ذلك وعند تحسن الأوضاع الأمنية يمكن نقل الجثمان الى مكان آخر واعادة دفنه.
الوضع الأمني
ويتابع أبو خالد قائلا: قاطعته قبل ان يكمل حديثه وأخبرته ان الوضع الأمني سيتدهور فعلا وبشكل خطير اذا عرف ان جثمان صدام لم يسلم الى ذويه لدفنه وستظهر شائعات تقول ان الجثمان قد يكون قد تم نقله الى ايران أو اسرائيل.. وأخرى قالت فعلاً ان صدام مازال على قيد الحياة وتم نقله الى خارج البلاد.. وعليه فانني أقترح على الحكومة ان تعامله بعد تنفيذ حكم الاعدام كرئيس سابق وتنظم له مراسم دفن وتشييع عسكري ثم تسلمنا الجثمان لدفنه في تكريت وان هذا الأمر اذا حدث فسيظهر كياسة ومهنية الحكومة العراقية، ووعدت بأنه اذا جرت الأمور على هذا النحو فسأظهر على شاشات التلفاز وأصدر بيانا من فضائية صلاح الدين أثني فيه على دور الحكومة في هذا الأمر وسيؤدي ذلك الى امتصاص أي نقمة محتملة في الشارع العراقي وأنني أتعهد بالأمن في صلاح الدين وسأصبح مسؤولا عن أي خرق أمني قد يحدث أما غير ذلك فلن نحضر الدفن في مكان سري ولن نكون مسؤولين عن أي شيء يحدث فأجاب العنزي ان هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلا.
خيارات الدفن
عندئذ طرح المحافظ خيارا جديدا قال ان عائلة صدام حسين طالبت بان ينقل جثمانه الى اليمن أو يدفن في محافظة الانبار - أكبر المحافظات السنية بالعراق - حسب وصية صدام اذا لم يدفن في تكريت.. استشاط العنزي غضبا من هذا الطرح وقال بانفعال ان هذا الأمر لن يحصل أبدا وان الحكومة قررت دفنه في مكان سري وان علينا كمسئولين رسميين (المحافظ ونائبه) تنفيذ أوامر الحكومة.. قلت له ان منصب نائب المحافظ لا يعني لي شيئا ولن أحضر الدفن بهذه الطريقة مهما كانت الظروف والأسباب .
ويضيف: انفردت بالعنزي جانبا وأخبرته ان الكلام بلغة الشيوخ أفضل وسألته لو كان صدام حسين لجأ الى كبير عشيرة «بني عنيزة» (عشيرة عبدالكريم العنزي) وآل هذال هل كانت ستسلمه عشيرة عنيزة الى السلطات؟ .. قال: «لا والله» ، قلت له أنا الشيخ عبد جبارة وأنا أكلم ابن هذال.. أريد منك جثمان صدام حسين فتغير شكل الوزير عبدالكريم وأحمر وجهه وقال: «الله كريم» سنحاول ولكن عليك ان تضمن أنه لن يحدث أي خرق أمني في صلاح الدين. فرد المحافظ قائلا ان الأمن مكفول ومضمون ونحن مسؤولون عن ذلك .
الخميس، 13 يناير 2011
هل موقع " الفيس بوك " في خدمة الموساد ؟
بعد أقل من أربعة أشهر من كشف صحيفة «الحقيقة الدولية» لخفايا موقع «الفيس بوك» والجهات الصهيونية التي تقف وراءه، نشرت صحيفة فرنسية ملفا واسعا عن هذا الموقع مؤكدة بأنه موقع استخباراتي صهيوني مهمته تجنيد العملاء والجواسيس لصالح الكيان الصهيوني. في الوقت الذي اعلن فيه عن مشاركة فاعلة لادارة الـ «فيس بوك» في احتفالات الكيان الصهيوني بمناسبة اغتصاب فلسطين. وتضمن الملف الذي نشرته مجلة «لوما غازين ديسراييل» معلومات عن أحدث طرق للجاسوسية تقوم بها كل من المخابرات الإسرائيلية والمخابرات الأمريكية عن طريق أشخاص عاديين لا يعرفون أنهم يقومون بمثل هذه المهمة الخطيرة. إن هؤلاء يعتقدون بأنهم يقتلون الوقت أمام صفحات الدردشة الفورية واللغو في أمور قد تبدو غير مهمة، وأحيانا تافهة أيضا ولا قيمة لها.. ونقل تقرير مجلة إسرائيل اليهودية التي تصدر في فرنسا الكثير من المعلومات السرية والهامة عن موقع الفيس بوك بعد تمكن المجلة من جمعها عبر مصادر إسرائيلية وصفتها المجلة بـ 'الموثوقة'.
وافزع الكشف عن هذه المعلومات حكومة كيان العدو ودوائره الدبلوماسية، حتى أن السفير الإسرائيلي في باريس أتهم المجلة اليهودية بأنها «كشفت أسراراً لا يحق لها كشفها للعدو'.
إلا أن الموضوع لم ينته عند هذا الحد، بل بدأ الجميع في البحث عن وجود جهاز مخابراتي اسمه «مخابرات الانترنت'.
ويطرح تقرير المجلة اليهودية المزيد من الشكوك حول استفادة الكيان الصهيوني من الكم الهائل من المعلومات المتاحة عن المشتركين من العالمين العربي والإسلامي وتحليلها وتكوين صورة إستخباراتية عن الشباب العربي والمسلم.
والخطير في الأمر هو أن الشباب العربي يجد نفسه مضطراً تحت اسم مستعار دون أن يشعر إلى الإدلاء بتفاصيل مهمة عن حياته وحياة أفراد أسرته ومعلومات عن وظيفته وأصدقائه والمحيطين به وصور شخصية له ومعلومات يومية تشكل قدراً لا بأس به لأي جهة ترغب في معرفة أدق التفاصيل عن عالم الشباب العربي.
ويقول جيرالد نيرو الأستاذ في كلية علم النفس بجامعة بروفانس الفرنسية، وصاحب كتاب (مخاطر الانترنت): إن هذه الشبكة تم الكشف عنها، بالتحديد في مايو2001 وهي عبارة عن مجموعة شبكات يديرها مختصون نفسانيون إسرائيليون مجندون لاستقطاب شباب العالم الثالث وخصوصا المقيمين في دول الصراع العربي الإسرائيلي إضافة إلى أمريكا الجنوبية. ويضيف: ربما يعتقد بعض مستخدمي الانترنت أن الكلام مع الجنس اللطيف مثلا، يعتبر ضمانة يبعد صاحبها أو يبعد الجنس اللطيف نفسه عن الشبهة السياسية، بينما الحقيقة أن هكذا حوار هو وسيلة خطيرة لسبر الأغوار النفسية، وبالتالي كشف نقاط ضعف من الصعب اكتشافها في الحوارات العادية الأخرى، لهذا يسهل 'تجنيد' العملاء انطلاقا من تلك الحوارات الخاصة جدا، بحيث تعتبر السبيل الأسهل للإيقاع بالشخص ودمجه في عالم يسعى رجل المخابرات إلى جعله 'عالم العميل'.
وبدأ موقع 'الفيس بوك' الذي ينضم إليه أكثر من مليون عضو شهريا، في طرح المعلومات المتعلقة بأعضائه علنا على محركات البحث على الانترنت مثل 'غوغل' و 'ياهو'، بهدف الدخول المبكر في السباق لبناء دليل إلكتروني عالمي يحتوي على أكبر قدر ممكن من المعلومات والتفاصيل الشخصية مثل السير الذاتية وأرقام الهواتف وغيرها من سبل الاتصال بالشخص، وهوايات الأعضاء وحتى معلومات عن أصدقائهم، وينضم حاليا نحو 200 ألف شخص يوميا إلى 'الفيس بوك' الذي أصبح يستخدمه 42 مليون شخص، طبقا للموقع ذاته.
العدو الخفي
وتتوافق المعلومات التي نشرتها الصحيفة اليهودية الصادرة في فرنسا مع المعلومات التي كانت صحيفة «الحقيقة الدولية» نشرتها في عددها (111) الصادر بتاريخ 9 نيسان 2008.
وأكد تقرير «الحقيقة الدولية» الذي كان تحت عنوان «العدو الخفي» أن الثورة المعلوماتية التي جعلت من عالمنا الواسع قرية صغيرة رافقتها ثورات أخرى جعلت من تلك القرية محكومة من قبل قوة غير مركزية أقرب ما تكون إلى الهلامية، تؤثر بالواقع ولا تتأثر به.
وأضاف تقرير الصحيفة أن «الانترنت التفاعلي» شكل بعد انتشاره عالميا واحدا من أهم أذرع تلك القوة اللامركزية التي بدأت بتغيير العالم بعد أن خلقت متنفسا للشباب للتعبير من خلاله عن مشكلات الفراغ والتغييب والخضوع والتهميش، والتمدد أفقيا وبصورة مذهلة في نشر تلك الأفكار والتفاعل معها عربيا ودوليا.
كما أن اللجوء إلى تلك القوة بات من المبررات المنطقية لإحداث التغيير الذي يلامس الواقع الشعبي وربما السياسي، كما حصل في مصر بعد دعوات للعصيان المدني نشرت على موقع «الفيس بوك» ومحاولات الشاذين جنسيا في الأردن لتنظيم أنفسهم من جديد من خلال اجتماعات تجرى على ذات الموقع بعناوين واضحة وأفكار معلنة.
والمثير في هذه المتسلسلة العنكبوتية أن المتلقي العربي الذي ما تعود على مثل هذه التحركات التغييرية، انساق وراء الدعوات التي أطلقتها جهات لا تزال مجهولة لإعلان «العصيان المدني» في مصر يوم السادس من نيسان، وحدث الإضراب من دون قوة مركزية تديره وتشرف عليه وتتبنى أفكاره وسياقاته التغييرية في داخل المجتمع.
أدوات تحكم جديدة
وتحولت أدوات الاحتلال والتغيير التي كانت تملكها القوى العظمى من تلك التي عرفها العالم طوال السنوات الماضية إلى أدوات جديدة تجعل من تلك القنوات التفاعلية على الشبكة العنكبوتية وسيلة مؤثرة تتحكم بها في الوصول إلى التغييرات المطلوبة، وبات الأمر لا يحتاج إلا إلى أفكار ودعوات تنشر عبر موقع مثل «الفيس بوك» تديره الأجهزة الأمنية الأمريكية والصهيونية.
كما أن هناك شعورا جمعيا عربيا باستفادة الكيان الصهيوني من الكم الهائل من المعلومات المتاحة عن المشتركين من العالمين العربي والإسلامي التي توجد في موقع «الفيس بوك» وتحليلها وتكوين صورة استخباراتية عن الشباب العربي والمسلم يستطيع من خلالها تحريك الشارع العربي.
ولا تخفى تجربة الكيان الصهيوني في الاستفادة من التكنولوجيا المعلوماتية على أحد، فأجهزتها الأمنية والمخابراتية صاحبة باع طويل في هذا المجال وثرية بطريقة تجعلها قادرة على جمع ما تريد من معلومات في أي وقت عن الشباب العربي الذي يشكل النسبة الأكبر ويعد الطاقة في أي مواجهة مستقبلية.
ونتيجة لذلك، بات الشباب العربي والإسلامي 'جواسيس' دون أن يعلموا ويقدمون معلومات مهمة للمخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية دون أن يعرفوا لاسيما وان الأمر أصبح سهلا حيث لا يتطلب الأمر من أي شخص سوى الدخول إلى الانترنت وخاصة غرف الدردشة، والتحدث بالساعات مع أي شخص لا يعرفه في أي موضوع حتى في الجنس معتقدا أنه يفرغ شيئا من الكبت الموجود لديه ويضيع وقته ويتسلى، ولكن الذي لا يعرفه أن هناك من ينتظر لتحليل كل كلمة يكتبها أو يتحدث بها لتحليلها واستخراج المعلومات المطلوبة منها دون أن يشعر هذا الشخص أنه أصبح جاسوسا وعميلا للمخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية.
ويشار إلى أن هناك العديد من الجهات في كيان العدو الصهيوني التي تقوم برصد ومتابعة ما يحدث في العالم العربي.
وفي الماضي استطاعت من خلال تحليل صفحة الوفيات بالصحف المصرية خلال حروب (56 و 67 و 73) جمع بيانات حول العسكريين المصريين ووحداتهم وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وهو ما أدى إلى حظر نشر الوفيات الخاصة بالعسكريين في فترة الحروب إلا بعد الموافقة العسكرية.
وكانت مصادر إسرائيلية أشارت بأن تحليل مواد الصحف المصرية ساهم في تحديد موعد بدء حرب 1967 عندما نشرت الصحف تحقيقا صحافيا ورد فيه أن الجيش يعد لإفطار جماعي يحضره ضباط من مختلف الرتب في التاسعة صباح يوم 5 يونيو1967.
الملفت في العدو الجديد، أو الشبح العنكبوتي المعروف الأهداف والذي يتنامى تأثيره في ظل المخطط المسيحي المتصهين الذي يشرف عليه قادة البيت الأبيض في واشنطن ويهدف إلى تحقيق النبوءة التوراتية المزيفة بإقامة الدولة اليهودية الخالصة من خلال تفجير 'الفوضى الخلاقة' في المنطقة العربية وصدام الحضارات بين الشرق والغرب بتصعيد الحملات المسيئة إلى الإسلام ورموزه، انه تمكن من دارسة واقع الشباب العربي والإسلامي من خلال دخولهم اليومي على شبكة الانترنت، ورصد التناقضات التي يعتقد انه سيتمكن من خلالها تفجير الخلافات والصراعات الداخلية في الدولة الواحدة وتفتيت المنطقة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وإضعافها وصولا إلى المبتغى 'المشبوه'.