بن لادن... أين هو؟
Jack Devine Washington Post
تظهر أحدث التقارير الاستخباراتية المتوافرة علناً أن أفغانستان والحدود الباكستانية لم يتبق فيها سوى قلة من الإرهابيين من تنظيم 'القاعدة'، إذ انتقل كثيرون إلى أماكن أخرى منها اليمن.
لا شك أن أسامة بن لادن أكثر من يشغل تفكير الضباط الشجعان في وكالة الاستخبارات المركزية والقوات الخاصة في أفغانستان الذين يبحثون عنه. يشكل بالتالي محل ظهوره الأخير محط الجدال الدائر بشأن ما تحاول الولايات المتحدة إنجازه في أفغانستان وما إذا كان يجب صب الاهتمام على مكافحة التمرد وبناء الأمة أو مكافحة الإرهاب.
مضت تسع سنوات على الهجوم الذي شنه بن لادن وأتباعه على الولايات المتحدة والذي تسبب في الخسارة الفادحة في أرواح الأميركيين في 11 سبتمبر 2001، وخسائر أكبر في الأرواح على أرض المعارك العسكرية التي تلت.
لذلك يجب تضمين مسألة إيجاد بن لادن في الجدال حول الإنجازات التي يجب تحقيقها في أفغانستان. يجب أن تشكل أولويتنا القصوى بينما ننسحب من هناك، لقد دخلنا حربين ضاريتين وهدرنا الكثير من الدماء والمال منذ الحادي عشر من سبتمبر. ما الهدف من كل ذلك إذن إن لم يكن للقبض على بن لادن؟
من المحير أن يختفي بن لادن ليس جسدياً فحسب إنما أيضاً من قاموسنا الأفغاني. من المقلق الاستماع إلى شخصيات إعلامية ومسؤولين حكوميين يتحدثون عن الحرب في أفغانستان من دون الإتيان على ذكر بن لادن. لا أستطيع أن أذكر المرة الأخيرة التي سمعت فيها نقاشاً حوله باعتباره جزءاً مهماً أو حتى مركباً في استراتيجيتنا في أفغانستان. يبدو الأمر وكأنه مؤامرة للتقليل من أهميته، حتى في سياق التهديد الإرهابي الأخير في أوروبا.
شعر الخبراء في عالم الاستخبارات لبعض الوقت بعدم أهمية بن لادن لأنه يرمز فحسب إلى تنظيم «القاعدة». فضلاً عن ذلك، يعتقدون أن التهديد الحقيقي يكمن في مكان آخر، وأن بن لادن ليس له سوى تأثير غير مباشر في المجموعات التي ولّدتها رسالته، لكن وحده التاريخ سيحسم مسألة إن كان بالفعل عديم الخطورة إلى هذا الحد. لا أصدق ذلك، ولا أود أن أكون من يفسر وجهة النظر هذه إن تمكن بن لادن أو حلفاؤه المقربون من التخطيط لهجوم ضخم آخر.
حتى إن تقبلنا أن بن لادن أقل أهميةً اليوم وأنه مجرد شخصية صورية لا قوة تنظيمية لها، تقلل وجهة النظر هذه إلى حد كبير من وقع استئصاله من صميم الحركة الإرهابية الأصولية. فبفراره من مكان إلى آخر، يشير إلى أن الإرهاب قد يسود وأن زعيمه قد ينجو بالرغم من قوتنا العسكرية العاتية. لكن إن وضعنا حداً لهذا التفكير الوهمي، فسوف تكون أمامنا فرصة كبيرة لتغيير مسار الإرهاب الإسلامي المتطرف.
عادةً يضعف سقوط أي زعيم جذاب أتباع الحركة التي يقودها، وهؤلاء الزعماء نادراً ما يُستبدلون بأفراد يتمتعون بنفس الحضور والجاذبية. ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مثلاً، حين كان الإرهاب والتمرد مستفحلين في أميركا اللاتينية، فقدت الحركة الإيديولوجية الكوبية الأسلوب والتي أرخت بتداعياتها عبر أميركا الجنوبية الكثير من بريقها مع سقوط تشي غيفارا في جبال بوليفيا في عام 1967.
لا شك أن الميدان الأفغاني يفرض تحديات كثيرة وأنه يجب التصدي لاعتبارات قبلية كثيرة عند عبور المنطقة، لكن الولايات المتحدة وحلفاءها أرسلت جيشاً من 100 ألف جندي إلى هناك، ونحن ننفق نحو 100 مليار دولار أميركي في السنة على جهود الحرب. ولدينا حتماً الموارد الضرورية لاستكمال المهمة.
ما يشكّل تحدياً أيضاً التعامل بنجاح مع سياسة الأمن القومي في باكستان. منذ بضع سنوات، وفي أحد النقاشات مع مسؤول بارز في المجتمع الاستخباراتي الأميركي، سألته لمَ لم نقبض على بن لادن؟ فأجابني «الأمر معقد»، ما يعني بأن عناصر داخل الحكومة الباكستانية كانوا يحولون دون القبض عليه، فإن كانت هذه هي الحال اليوم أيضاً، فعلينا نسيان أمر بناء الأمة في أفغانستان، وعلى غرار شيرمان الذي شن حملة عسكرية عبر جورجيا خلال الحرب الأهلية، إرسال جيشنا إلى شرق أفغانستان، والزحف به حتى مقاطعة الحدود الشمالية الغربية لباكستان، ومواصلة هذه الحملة إلى أن نقبض عليه.
لذلك يجب أن نبلغ الحكومة الباكستانية بنيتنا بشكل صريح ومباشر، فبينما قد يتذمر المسؤولون الباكستانيون حتماً، كما فعلوا حيال زيادة أخيرة في عدد الغارات بواسطة الطائرات من دون طيار، لابد من المراهنة بأننا سنأتي برأس بن لادن قبل أن نقترب من الحدود الباكستانية. ذلك ليس أسلوبنا عادةً في التعاطي مع حلفائنا المهمين، أو إحدى الصيغ التي نعتمدها في الخطاب الدبلوماسي الروتيني. لكن في بعض الظروف الاستثنائية، يتطلب الأمر استخدام أقسى الوسائل. أعتقد كذلك الأمر أن الآثار الناجمة ستكون أقل ضرراً وأقل ديمومةً مما قد يفيد كثيرون.
يصعب تخيّل خروج لائق من أفغانستان من دون زوال بن لادن، فالقضاء عليه يشكل دافعاً منطقياً مهماً بالفعل للانسحاب. في هذا الإطار، تظهر أحدث التقارير الاستخباراتية المتوافرة علناً بأن المنطقة لم يتبق فيها سوى قلة من الإرهابيين من تنظيم «القاعدة»، إذ انتقل كثيرون إلى أماكن أخرى منها اليمن.
لذلك علينا أن نعيد بن لادن إلى مركز الاهتمام في استراتيجيتنا الخاصة بأفغانستان، وبغض النظر عن نتيجة مراجعة السياسة المقبلة للإدارة، دعونا نأمل أن نكون قد توقفنا عن البحث عن أسامة بن لادن في الحادي عشر من سبتمبر 2011.
* نائب مدير العمليات سابقاً في وكالة الاستخبارات المركزية ورئيس فرقة العمل الأفغانية التابعة للوكالة من عام 1986 إلى عام 1987. يرأس راهناً مجموعة أركين، شركة استخبارات خاصة مقرها نيويورك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق