كارتر يرضى بالخميني أمراً واقعاً
لندن - صلاح أحمد
تواصل «أوان» نشر وثائق الأرشيف البريطاني المتعلقة بالكويت والمنطقة المحيطة بها في العام 1979، وما عرفته آنذاك من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية كان لها دور كبير في رسم معالم المنطقة في الوقت الراهن. وقد دُوّنت هذه الوثائق منذ 30 سنة، ما جعلها مُتاحة للتداول العام، عملا بقانون حرية المعلومات البريطاني، مطلع العام الحالي.
سلّط الملف «FCO 8/3377»، الذي أُفرج عنه من دار الأرشيف القومي البريطاني، مع عدد من الملفات الأخرى، الضوء على العلاقات بين واشنطن وطهران في أعقاب الثورة الإيرانية، وخاصة المؤتمرين الصحافيين الذين عقدهما الرئيس الأميركي جيمي كارتر في 12 و28 فبراير (شباط) 1979 على التوالي، وأجاب فيهما عن أسئلة تتعلق بمواقف الطرفين في أعقاب إطاحة شهبور بختيار آخر رئيس للوزراء في عهد الشاه.
لن نتدخل في إيران
وينقل السفير البريطاني لدى واشنطن، آر جيه موير، إلى دائرة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية في لندن، وقائع المؤتمر الصحافي الأوّل الذي عقده الرئيس كارتر في اليوم التالي لسقوط حكومة بختيار، وبدأه بقوله: «ظللنا نتابع بشكل لصيق الأحداث الإيرانية وتطوراتها المتلاحقة، بهدف التعرف على كيفية الحفاظ على علاقاتنا مع أي نظام جديد فيها. وكان ديدننا هو الامتناع الكامل عن التدخل في الشؤون الإيرانية الداخلية، ونتمنى أن يسير غيرنا على هذا الطريق، فيكفوا عن محاولة التأثير في مجريات الأحداث في تلك البلاد. ونتمنى أيضا أن تتمكن الفئات الإيرانية المتعددة من تسوية خلافاتها التي طفت إلى السطح في الأشهر الأخيرة، سعيا إلى تمتع الشعب بوحدة الصف. وكما ظلّت الحال طوال تلك الفترة، فإننا نواصل الآن اتصالاتنا مع أولئك الذين يمسكون بزمام الحكم الآن، ونسعى للتعاون معهم (في إشارة إلى حكومة مهدي بازرغان تحت راية الخميني). وتظلّ أهدافنا أيضا هي حماية الرعايا الأميركيين في إيران، وكبح سفك الدماء والعنف، والتأكد من أن البلاد قادرة عسكريا على الدفاع عن سيادتها وأراضيها، ومنع القوى الخارجية من التدخل في شؤونها الداخلية، والانصياع لرغبات شعبها المشروعة. وكما تعلمون فقد تجنبنا التدخل في ما يحدث إلى أقصى حد ممكن.
واستدرك كارتر «لكن النقص في الإمدادات النفطية الإيرانية أمر يهم الأميركيين، مثلما يهم بقية شعوب العالم. وقد كان هذا جزء مهم من محور خطتي المتعلقة بمصادر الطاقة إلى الكونغرس في أبريل (نيسان) 1977. لكن الأميركيين قادرون على مواجهة هذا النقص، بترشيد إنفاقهم في ما يتعلق بتدفئة منازلهم ووقود سياراتهم وغيرهما من أوجه الاستهلاك».
إيران الأمر الواقع
ويمضي الرئيس الأميركي للإجابة عن أسئلة الصحافيين حول الأوضاع الخارجية والداخلية. وفي ردّه عن سؤال «هل فات عليه توقّع أن يتنهي المطاف الإيراني بحكومة يشكلها الخميني، وهل تسرع في إصدار بيان للاعتراف بحكومة شهبور بختيار؟»، أكد كارتر أن «كلّ ما حدث جاء تبعا لما كنا نتوقعه منذ فترة. لكن ليس من سياستنا في شيء التدخل في شؤون الآخرين واختيار من يحكمهم. هذا ضدّ فلسفة الشعب الأميركي وضدّ مبادئه. وقد جربناه من قبل في فيتنام، ومنينا بأسوأ أنواع الفشل كما يعلم الجميع. وما فعلناه في إيران هو أننا تعاملنا مع حكومتها مثلما تعاملنا مع الشاه من قبل. وكان تعاملنا مع شهبور بختيار ينبع من حقيقة أنه انتخب من قبل المجلس (البرلمان) الإيراني بناء على لوائح دستور البلاد. والآن وقد استقال بختيار وحُلّ المجلس وتولى مهدي بازرغان رئاسة الوزراء، تعيّن علينا التعامل الوثيق مع حكومته. ومنذ تسلمي رئاسة الولايات المتحدة امتنعنا عن التدخل في الشؤون الداخلية لأيّ دولة أو تنصيب الجهة التي تحكمها، وهذا ينطبق على إيران أيضا».
وقد دافع كارتر عن تأييد إدارته لبختيار. وقال «لدينا بيانات تأييد واعتراف بـ150 دولة في العالم. هذا جزء من العملية الدبلوماسية الأميركية. وعندما تتغير الحكومة في مكان ما، نسارع إلى إقامة علاقات معها. هذه هي السياسة الأميركية وهذا، ببساطة هو ما حدث في حالة إيران، وهو ما سنستمر في عمله». وأعرب عن أمله بإقامة علاقات «طيبة ومثمرة مع أيّ حكومة ترتضيها إيران لنفسها. ظلّ هذا هو مسعانا في الماضي وسيظلّ كما هو في المستقبل. وفي الساعات الأخيرة فقط وردت إلينا أنباء من سفارتنا في طهران تفيد بأن أتباع رئيس الوزراء الجديد يساعدون بجهود حقيقية وصادقة في توفير الأمان للرعايا الأميركيين، وأن هذا الأمر يتم بتعاون وثيق معنا. واستنادا إلى هذا أستطيع القول إن الحكومة والشعب الإيرانيين يمدون لنا يد الصداقة، وإن هذا أمر مفيد حقا بالنسبة إلينا».
حذر أميركي
أمّا الوثيقة المتعلقة بالمؤتمر الصحافي الثاني لكارتر، فتضمنت خطابا بعث به السفير البريطاني لدى واشنطن في 28 فبراير إلى وزارة خارجيته. وقال فيه إن هنري بريشت، مدير دائرة الشؤون الإيرانية بوزارة الخارجية الأميركية، أخبره «بأن الإدارة لا تتلهف على توجيه سفيرها في طهران، وليام سوليفان، للقاء مهدي بارزغان أو أي مسؤول حكومي رفيع المستوى في الوقت الحالي. لكن السفير تلقى توجيهات بأن يثير مسألة الاعتقالات والإعدامات في أوّل لقاء له على هذا المستوى.
وأرفق السفير البريطاني مع هذا الخطاب إجابتي الرئيس الأميركي عن سؤالين تحديدا في مؤتمر صحافي عقده صباح 28 فبراير، وأبدى فيه كثيرا من الحذر حول ما يتعلق بالوضع في طهران. ويبدو أيضا أن كارتر قرر، بشيء من الحكمة، ألّا ينجرّ إلى الخوض في مجاهل الجدل المهم المتصل بالسؤال: «من أضاع إيران»؟
وتمضي الرسالة لتنقل تصريحات الرئيس الأميركي، منها إجابته عن سؤال يتعلق بالعلاقات بين إدارته والحكومة الجديدة في إيران، ونوع الضغوط التي تمارسها على طهران لزيادة إنتاج النفط وخفض أسعاره. وقال كارتر «منذ اللحظات الأولى لتسلمها السطة، أوضحت حكومة الخميني الجديدة أنها ستسعى إلى علاقات ودية مع الولايات المتحدة، وأنها سترفع إنتاج النفط مع بدء تصديره مجددا في أقرب وقت ممكن. اعتقادي الشخصي هو أن الإيرانيين يعنون ما يقولون في كل من هاتين المسألتين».
من أضاع إيران؟
ويشير السؤال الثاني إلى أنه يدور جدل عام حول من أضاع إيران؟ خاصة أن هنري كيسنجر، وزير الخارجية في عهد رتشارد نيكسون، ألمح إلى أن الولايات المتحدة تتحمل جزءا من المسؤولية في ضياعها. وقد جاء هذا في أعقاب تصريحات جورج بول، وكيل وزارة الخارجية في عهد جون كنيدي، بأن سياسة كيسنجر هي التي زعزعت النظام الإيراني السابق بإغراقه في مليارات مبيعات السلاح المتطور.
ويجيب كارتر قائلا: «بالطبع فإن إيران ليست ملكا للولايات المتحدة فنضيعها أو لا نضيعها في المقام الأوّل، ولم تكن ولن تكون لنا نوايا لليسطرة على شؤونها الداخلية. ولأكثر من ألفي عام ظلّت هذه المنطقة، فارس وغيرها، تُنّصب حكوماتها تبعا لإرادتها. وكما قلت فإن الحكومة الجديدة في إيران تسعى إلى علاقات طيبة معنا. ولا أدري كيف كان بوسعنا وقف منع الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة والمتشابكة التي قادت إلى تغيير الحكومة في طهران. هذه هي رغبة الشعب الإيراني، ولا يوجد ما يمكن عمله إزاءه غير التعامل مع الوضع الجديد بأفضل السبل الممكنة. طبعا يتعين علينا حماية المصالح الأميركية في المنطقة بطائفة جديدة من علاقات الصداقة والتفاهم الأمني والتبادل التجاري. هذا هو ما يمكن عمله. أما أن نلقي باللائمة على هذا أو ذاك داخل الولايات المتحدة، بسبب تغيير اختاره الشعب الإيراني، فلا يتعدى كونه مضيعة للوقت ومحاولة لتفادي المسألة الأساسية، وهي أن هذه هي إيران وشعبها هو المسؤول عما يحدث فيها ولا أحد غيره».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق