الأربعاء، 30 يونيو 2010

الأميركيون يختارون أسماء تعكس «أمانيهم» والبريطانيون «عشوائيون» والروس يلجأون لكواكب المجموعة الشمسية

تاريخ تسمية العمليات العسكرية من «بارباروسا» إلى «تحرير العراق»

الأميركيون يختارون أسماء تعكس «أمانيهم» والبريطانيون «عشوائيون» والروس يلجأون لكواكب المجموعة الشمسية

لندن: كريستوفر بيلامي *
كيف تقرر القوات المسلحة في العالم الأسماء التي تعطيها لعملياتها العسكرية ؟ ولماذا بعض هذه الاسماء يكون في غاية الوضوح، والبعض الآخر في غاية الغموض؟ اجابة هذين السؤالين تستدعي اولا تأكيد شيء مهم وهو ان الدول المختلفة تتعامل مع تسمية العمليات العسكرية بطرق مختلفة تماما تعكس ثقافتها السياسية. ففيما يتعلق مثلا بالولايات المتحدة، تميل الأسماء الاميركية المستعارة للعمليات العسكرية اجمالا الى ان تكون واضحة. وهي عادة تعكس طبيعة وغرض العملية، أو على الأقل وجهة النظر الاميركية بشأنها، على الرغم من أن المعارضين قد لا يوافقون. ففي عام 1990 وبعد الغزو العراقي للكويت سميت عملية الانتشار للمساعدة في الدفاع عن المملكة العربية السعودية، التي حدثت في الثامن من أغسطس (اب)، باسم «درع الصحراء» وهو اسم واضح نوعا ما. وسميت العملية التالية التي استهدفت إخراج القوات العراقية من الكويت عبر الدخول الى الكويت وجنوب العراق باسم «عاصفة الصحراء»، وهي العملية التي بدأت بالحملة الجوية في يناير (كانون الثاني) 1991. أما الهجوم البري الذي بدأ يوم 24 فبراير (شباط) فقد سمي «وحش الصحراء». وهناك أمثلة أخرى تدل على ميل الاميركيين لتسمية العمليات العسكرية بشكل يعكس وجهة نظر واشنطن فيها، مثل «مخلب النسر» التي اطلقت الى عملية تحرير الرهائن الاميركيين في ايران عام 1980 بعد الثورة الاسلامية. و«القضية العادلة» في بنما التي أطاحت بالرئيس مانويل نوريجا فى ديسمبر (كانون الاول) 1989. أما في الصومال فسميت العملية العسكرية هناك لمساعدة المدنيين الصوماليين وانهاء الحرب الاهلية 1993 «استعادة الأمل»، فيما سميت عملية مساعدة اللاجئين الأكراد في جنوب شرقي تركيا وعلى الحدود العراقية 1991 باسم «تمديد الفرج». أما العملية العسكرية لتغيير النظام في العراق فسميت «تحرير العراق»، ومرة اخرى لم يكن الجميع موافقين على التسمية.

أما الهجمات الاميركية على أفغانستان في اكتوبر(تشرين الاول) 1991 والعمليات اللاحقة فاتخذت اسما مستعارا هو «الحرية الدائمة». وفي حينه اشير الى أن الاميركيين كانوا قد اعتزموا تسميتها «العدالة المطلقة»، وأنهم أرغموا على تغيير الاسم عندما قيل ان الحكومة الوطنية غير قادرة على نشر هذا الاسم لاسباب دينية. غير أن ضباطا شاركوا في عمليات الانتشار الأولى في أفغانستان قالوا ان ذلك كان مجرد شائعة.

وفي داخل الحملات يعطي الاميركيون العمليات المستقلة أسماء مستعارة من كلمة واحدة، على الرغم من ان هذه تميل الى ان تكون واضحة نوعا ما مثل عملية «أناكوندا» في افغانستان وعملية «كوبرا» لهجوم القوات الأميركية في منطقة اعالي الفرات كجزء من عملية «تحرير العراق».

أما الطريقة البريطانية فمختلفة تماما. فعلى النقيض من الوضوح الاميركي، كان الاسم البريطاني المستعار للدور الذي قامت به القوات البريطانية في المراحل الثلاث من الحرب العراقية عام 1991 «غرانبي». وغرانبي هي قرية في نوتنغهامشاير في المنطقة الوسطى بانجلترا. وهناك مكان ما في وزارة الدفاع البريطانية يقدم قائمة من الأسماء المستعارة بطريقة عشوائية. وعندما يجري التخطيط لعملية معينة فان المخططين يطلبون اسما مستعارا. وفي وقت لاحق قالت وزارة الدفاع البريطانية ان ذلك الاسم كان ملائما لأن لورد غرانبي (1721 ـ 1770) كان قائدا لامعا للفرسان في حروب ضد الفرنسيين، ولكن اختيارها كان عشوائيا تقريبا اذا ما اخذنا بالحسبان انه عندما جرى الاختيار في أغسطس (اب) 1990 لم يكن هناك من يعرف أي شكل قد تتخذه العملية.

والطريقة البريطانية ثابتة الى حد ما. فالاسم المستعار للعملية البريطانية لاستعادة جزر الفولكلاند عام 1982 كانت «كوربوريت». بينما سميت عملية وضع سور حول قاعدة صواريخ كروز الاميركية في مولسوورث عام 1983، والتي تمت كلها في ليلة واحدة، من أجل ابعاد المحتجين على الأسلحة النووية، باسم «يلستيد»، وهو اسم قرية في مقاطعة كينت في انجلترا.

وكان الاسم المستعار للجزء البريطاني من العملية العسكرية ضد العراق عام 2003 والوجود اللاحق هناك أكثر غموضا، ولكنه ربما أكثر اثارة للانتباه. فقد سميت «تيليك» وهو ليس اسم مكان، وانما صفة انجليزية مستمدة من كلمة «تليكوس» الاغريقية التي تعني «الغاية» والتي كانت موجهة لغاية محددة، وبكلمات اخرى الحل النهائي. وحتى الوقت الحالي لم تحقق العملية ذلك الحل وقد يمر وقت طويل قبل ان تحقق «الغاية» التي تدل عليها التسمية ضمنا.

عادة ما تستخدم الولايات المتحدة اسماء للعمليات العسكرية والمعارك مكونة من كلمتين. اما في النظام البريطاني، فإن الاسم المكون من كلمتين يطلق على التدريبات والمناورات، مثل مناورات «السيف السريع»، في سلطنة عمان، قبل حرب افغانستان. فيما يطلق على العمليات العسكرية الحقيقية اسم من كلمة واحدة فقط. وثمة اختلاف في الاسماء التي تطلقها القوى الاوروبية الاخرى تبعا للنظام المتبع في كل منها. فعلى سبيل المثال، بدأت خطة ألمانيا لغزو الاتحاد السوفياتي عام 1941 بأسماء غير نهائية الى ان استقر الاسم في نهاية الأمر على «فريدريك بارباروسا»، وهو امبراطور روماني وقائد اكبر حملة في الحروب الصليبية مات غرقا وهو يعبر نهراً في تركيا في يونيو (حزيران) عام 1190، وهو الحدث الذي اعتبره صلاح الدين الايوبي معجزة. اما الهجوم الألماني المدرع الواسع النطاق على كورسك بالاتحاد السوفيتي السابق في يوليو (تموز) عام 1943 فاطلق عليه «سيتاديل»، في اشارة، كما يبدو، الى المواقع السوفيتية المحصنة.

والاسماء المستعارة الروسية أكثر اثارة للاهتمام. فأول هجوم مضاد في ستالينغراد في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1942 اطلق عليه «اورانوس»، ثم اسم «زحل» على الهجوم المضاد التالي. وكان السوفيت يخططون لعمليات تطويق واسعة، مما يشير الى ان الاسم له صلة بدوائر كوكب زحل. وأطلق اسم «المريخ»، آلهة الحرب عند الرومان، على عملية تطويق اخرى واسعة الى الشمال. ومن المحتمل ان سياسة اختيار أسماء العمليات العسكرية كانت تنفذ طبقا لترتيب مدارات الكواكب مع النظر الى موسكو كشمس. وكانت العمليات العسكرية الاصغر حجما تكتسب اهتماما اقل، لكنها كانت تتخذ اسماء مناسبة. كعملية كسر الحصار الذي كان مضروبا على مدينة ليننغراد (سينت بيترزبيرغ حاليا) والتي اطلق عليها اسم «اسكرا» (الشرارة). وعقب استخدام اسماء كل الكواكب، عاد السوفيت مجددا الى اسماء كبار جنرالاتهم. فبعد فشل الهجوم على كورسك (عملية سيتاديل)، شن الروس هجومين مضادين اطلقوا على احدهما اسم «كوتوزوف»، وهو مارشال كبير خلدت ذكراه في روية «الحرب والسلام»، وروميانتسيف، وهو قائد روسي عظيم في القرن السابع عشر. وفي عام 1944 شن الجيش الأحمر هجوما على بيلاروس بغرض تدمير المراكز العسكرية الحيوية للألمان اطلقوا عليه اسم «باغاراتيون»، وهو بطل من فترة الحروب النابليونية قتل في معركة «بورودينو» عام 1812. وعندما اوشك السوفيت على دخول برلين لم تعد هناك حاجة الى التظاهر بأنهم ينوون التوجه الى موقع آخر، فالحديث بات مقتصرا فقط على برلين. وفي حالة القوات المتعددة الجنسيات تكون الاسماء المستعارة اكثر فائدة عندما تطلق تسمية واحدة بعدة لغات، إلا ان هذه مسألة صعبة التحقيق. بوسع الاميركيين والبريطانيين اختيار اسم واحد بحكم كونهم يتحدثون لغة واحدة. مثلا اطلق على عمليات الانزال البحري خلال الحرب العالمية الثانية اسماء «ضوء شمال افريقيا»، و«هاسكي»، فيما اطلق اسماء «سيسيلي» و«اوفرلورد» على الانزال الارضي في نورماندي.

اما العملية البحرية لإنزال القوات هناك، فقد اطلق عليها اسم «نبتون» (إله البحر عند الرومان). ومن ضمن الاسماء البارزة للعمليات العسكرية «الثبات»، الذي اطلق على خطة الخداع التي استخدمها الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، و«الحقيقي»، الذي اطلق على عملية عبور نهر الراين. وخلال إنزال النورماندي عام 1944 اطلق الاميركيون على الشواطئ اسماء الولايات الاميركية التي يتحدر منها جنرالاتهم الذين قادوا عملية الإنزال، مثل «اوتا» و«اوماها»، الذي شهد اكبر عدد من الخسائر في الارواح. اما الشواطئ التي سيطرت عليها القوات البريطانية والكندية، فقد اطلقت عليها اسماء مثل «الذهب» و«جونو» و«السيف». وقد اعرب رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل عن استيائه ازاء مقتل عداد كبير من الجنود على شاطئ اسمه «جلي» وهو اسم حلوى تقدم عادة في حفلات الأطفال، وأمر بتغيير اسمه الى «جونو».

* استاذ العلوم العسكرية في جامعة كرانفيلد البريطانية أعد خصيصا لـ«الشرق الاوسط»