الأربعاء، 26 يناير 2011

الصين في عيون الولايات المتحدة

الصين في عيون الولايات المتحدة
The Economist
صحيح أن أوباما يريد الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، لكن ديمقراطيين آخرين يرون أن السياسة الحمائية هي الجواب الشافي للتعامل مع الصين، أما بالنسبة إلى الجمهوريين، فهم يتخذون من الصين مبرراً لحث أميركا على بذل المزيد، ويعتبر نيوت غينغريتش، أحد المرشحين المحتملين للرئاسة، أن احتمال تفوق بكين على واشنطن في مجال التكنولوجيا هو أحد «التهديدات الكارثية الممكنة» التي تواجهها البلاد.

قبل فترة طويلة من جلوس الرئيسين الأميركي والصيني على العشاء معاً في البيت الأبيض، عشية 18 يناير، عبر المقربون من باراك أوباما عن أن انحسار عدد المشاركين في عشاء العمل يشير إلى نشوء حميمية جديدة في العلاقات بين البلدين. فبدل حضور حشد كبير من أتباع الطرفين، كما يحصل في العادة، حضر ستة أشخاص لا أكثر: أوباما وهيو جينتاو، مع مستشارَين لكل منهما (في حالة أوباما، حضرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومستشاره الأمني توم ديلون). بحسب البيت الأبيض، يثبت ذلك مدى تحول العلاقات بين الطرفين. بعد سنتين على تولي أوباما الرئاسة، عقد الرئيس سبعة لقاءات مباشرة سابقة مع نظيره الصيني، وقد قابل أيضاً رئيس الحكومة الصينية وين جياوباو ثلاث مرات.

كان ذلك الموقف الأخير أحد المؤشرات التي عبرت عنها إدارة أوباما هذا الأسبوع، لكن كانت الرسائل التي انبثقت عن القمة مختلطة جداً، كما لم تكن يوماً على مستوى العلاقات الصينية الأميركية. في اليوم الذي تلا عشاءهما الحميم، قال أوباما، خلال مؤتمر صحافي، إن العملة الصينية تستحق رفع قيمتها، وإنه كان «صريحاً جداً» مع هيو في مجال حقوق الإنسان، ولكن «نشوء الصين بطريقة سلمية» كان أمراً إيجابياً بالنسبة إلى العالم والولايات المتحدة. وقال هيو من جهته إن الصين يتوجب عليها بذل المزيد على مستوى حقوق الإنسان، لكن يجب إدارة العلاقات على أساس «مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر». وفي بيان رسمي مشترك، رحبت الصين بدور الولايات المتحدة باعتبارها قوة دافعة نحو إرساء الاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بينما رحبت الولايات المتحدة بـ»نجاح الصين التي تؤدي دوراً أكبر في شؤون العالم». وتعهد الرجلان بتعزيز الروابط العسكرية المباشرة والشفافة بين الطرفين.

تُعتبر الرسائل المختلطة أمراً طبيعياً في عالم الدبلوماسية، ويفهمها جيداً القادة من كل طرف، ولا شيء يدعو إلى الخجل في هذه الرسائل. تميل الخصومة المحتومة بين الولايات المتحدة والصين إلى اتخاذ منحىً أكثر أماناً في حال ترافقت المواقف المُعلَنة بالعبارات المستهلكة المعهودة عن ضرورة ألا يتعامل البلدان كخصمين بأي شكل. هذا الأسبوع، استعمل أوباما عبارة «المنافسة الودية». غير أن السياسيين الأميركيين لا يوجهون حصراً رسائل مختلطة إلى نظرائهم في الصين، بل إنهم يوجهون رسائل مختلطة بشأن الصين إلى الأميركيين أيضاً.

من أبرز الأمثلة في هذا المجال، نذكر إصرار إدارة أوباما على فكرة أن نشوء قوة الصين تشكل تكراراً لحادثة إطلاق مركبة «سبوتنيك» السوفياتية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. لم يكن أوباما قد وُلد بعد في عام 1957، حين أطلق الاتحاد السوفياتي أول قمر اصطناعي إلى الفضاء ليدور حول الأرض، لكن يتذكر الجميع هذه اللحظة باعتبارها صدمة إيجابية في وجه تنامي مقاربة التساهل من جانب الولايات المتحدة. فدفع الخوف من تفوق الآخرين على الأميركيين بالحكومة الفدرالية إلى إنفاق مئات الملايين من الدولارات على الاختصاصات العلمية والتقنية وإنشاء وكالة «ناسا» الفضائية التي فازت، في عام 1969، بالسباق الفضائي عن طريق نيل أرمسترونغ وباز ألدرين الذي رافقه إلى سطح القمر.

هل يمكن أن يكون للمنافسة التي تفرضها الصين أثراً هائلاً مماثلاً في الولايات المتحدة؟ يبدو أن أوباما يأمل ذلك، فقد قال في الشهر الماضي: «لقد عادت لحظة إطلاق سبوتنيك إلى جيلنا. يجب أن نقوم بما اشتهرت الولايات المتحدة بفعله، أي البناء، والابتكار، والتعليم، وصنع الأشياء». كذلك، قام ستيفن تشو، وزير الطاقة في إدراة أوباما، باستذكار مركبة «سبوتنيك» على اعتبار أن استثمار الصين في موارد الطاقة النظيفة سيؤدي إلى تراجع مرتبة الولايات المتحدة إلا إذا استثمرت هذه الأخيرة في تلك التكنولوجيا أيضاً. يتذمر جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، من «أننا سبق أن شاهدنا عملية إطلاق مركبة سبوتنيك في السماء، ولكننا لم نقم بأمر يشبه ما فعلناه خلال الستينيات للرد على خطوة مماثلة».

لكن تكمن المشكلة في عدم وجوب المقارنة بين نشوء الصين ولحظة إطلاق «سبوتنيك». في المقام الأول، لم نشهد أي «لحظة» مفصلية حتى الآن، فقد نشأت قوة الصين بشكل تدريجي طوال سنوات من دون إثارة أي صدمة تُذكر، وفي المقابل، بنى الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة أنظمة اقتصادية منفصلة، بينما جمعت ظاهرة العولمة بين الأنظمة الاقتصادية الأميركية والصينية وأدت إلى منحهما إيجابيات متبادلة، ومع أن الصين تُعتبر منافساً جيوسياسياً، فإنها ليست عدواً مدمراً للولايات المتحدة كما كان الاتحاد السوفياتي (على خلاف نيكيتا خروتشوفا، لم يتعهد هيو يوماً بـ»دفن» الغرب). وحتى لو كانت كذلك، يرى معظم الأميركيين أنهم لا يزالون يتمتعون بتفوق عسكري ملحوظ. وفقاً لاستطلاع رأي أجراه «معهد بيو»، يعتبر قسم من الأميركيين أن قوة الصين الاقتصادية تشكل خطراً أكبر من قدراتها العسكرية، وتؤكد أغلبية منهم (58%) على ضرورة تعزيز العلاقة مع الصين.

قصة رعب لجميع المواسم

يمكن اعتبار أن مجرد تذكر حادثة «سبوتنيك» يعني ببساطة أن الولايات المتحدة تحتاج إلى التيقظ واتخاذ خطوات علاجية، لكن لا يمكن المقارنة فعلاً بين حادثة «سبوتنيك» وهذه «المنافسة الودية»، وما نفع تعزيز مشاعر الخوف من الصين إذا كان الأميركيون لا يتفقون على ما يجب فعله لحل المشكلة؟ ربما اتضح بعد حادثة «سبوتنيك» أن الولايات المتحدة ملزمة بالقيام باستثمار عام كبير في مجال التكنولوجيا. لكن لا وجود لأي إجماع على هذه الخطوة اليوم، صحيح أن أوباما يريد الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، لكن ديمقراطيين آخرين يرون أن السياسة الحمائية هي الجواب الشافي للتعامل مع الصين، أما بالنسبة إلى الجمهوريين، فهم يتخذون من الصين مبرراً لحث الولايات المتحدة على بذل المزيد، ويعتبر نيوت غينغريتش، أحد المرشحين المحتملين للرئاسة، أن احتمال تفوق الصين على الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا هو أحد «التهديدات الكارثية الممكنة» التي تواجهها البلاد، غير أنه يقترح تخفيض الضرائب وتقليص حجم الحكومة وتعزيز حرية الأسواق لحل المشكلة، بدل اللجوء إلى الاستثمارات العامة التي يفضلها الديمقراطيون.

تسهل ملاحظة السبب الذي يجعل من حادثة «سبوتنيك» عاملاً جذاباً بالنسبة إلى أوباما. ونظراً إلى جميع الأقاويل المنتشرة بشأن تهافت الصين على الاستثمار في البنى التحتية، لا يبدي الناخبون الأميركيون أي حماسة تجاه تعزيز إنفاق حكومتهم، وتحديداً بما أنّ تحمّل هذه التكاليف يستلزم ارتفاع الديون أو الضرائب، لكن قد تنشأ لحظة جديدة مشابهة لحادثة «سبوتنيك» من شأنها تغيير أفكارهم، ولكن خلال الستينيات، كان الأميركيون واثقين من أن نظامهم سينجح في تحقيق أهدافه، غير أنهم يشعرون بالحيرة اليوم بسبب نجاح النموذج الصيني، وهم منقسمون حول كيفية إعادة ترميم نموذجهم الأميركي الخاص، فيما لو كان الأمر ممكناً. يتعين عليهم حل هذا الصراع بحسب قيمهم الخاصة واستبعاد استراتيجية التخويف من الصين. قد يؤدي ذلك، على الأقل، إلى تحسين الجو العام خلال العشاء الرئاسي المقبل.

احداث من تاريخ مصر : الإسكندريّة عام 1882... يوميّات القمع والحصار والصمود

الإسكندريّة عام 1882... يوميّات القمع والحصار والصمود
القاهرة - خالد عزب

ا

مشهد من معركة يونيو 1882
لإسكندرية، مدينة محفورة في قلب مصر تحمل في شوارعها وحواريها وأزقتها وحتى على جدران مبانيها ووجوه أهلها حكايات وذكريات عدة... كثير منها حزين وقليل منها مُفرح، حكايات بطعم فنجان القهوة أو شاي العصاري على شاطئ البحر، فكل حبة رمل على بحر الإسكندرية تحكي حكاية عن المدينة الخالدة منذ تخطيطها على يد الإسكندر المقدوني الذي توفي في ظروف غريبة قبل وصوله الى المدينة التي عشقها قبل أن يراها، لتشهد الإسكندرية بعد الانتهاء من تشييدها أضخم جنازة عرفها العالم القديم.

أحداث جسام ألقت بظلالها على تاريخ مصر المعاصر، فقد استيقظ أهالي الإسكندرية في صباح 1 يوليو 1798 على وصول الأسطول الفرنسي إلى شواطئها، ليزاح الستار عن الحملة الفرنسية على مصر، فيما لم يكن في الإسكندرية من الجنود ما يكفي لصد الجيش الفرنسي الكبير المزوّد بالمعدات الحديثة، لكن لم يمنع هذا الأمر حاكم المدينة آنذاك السيد محمد كريم من الدفاع عنها بكل ما لديه من ذخيرة وعتاد فقاد المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين حتى بعد أن اقتحموا أسوار المدينة وظلوا فيها حتى هزيمتهم فى معركة أبي قير البحرية لتقف الإسكندرية في شموخ شاهدة على نهاية الفرنسيين.

لم تمضِ سنوات قليلة حتى أفاق أهالي الإسكندرية على هجوم جديد حين أرسلت إنكلترا حملة بحرية بقيادة «فريزر»، استولت على المدينة من دون قتال بسبب خيانة حاكمها التركي «أمين أغا» الذي سلّم المدينة للإنكليز في 28 مارس (آذار) 1807. وفي 19 سبتمبر (أيلول) 1807 تصدى أهالي منطقة رشيد بقيادة محافظها علي بك السلانكي للحملة الإنكليزية التي كان قوامها ألف جندي مسلّحين بأحدث الأسلحة، بينما لم يتجاوز عدد قوات إقليم رشيد الـ ‏700‏ جندي بقيادة السلانكي الذي عزم على مقاومة عساكر الإنكليز على رغم ضعف أسلحته واستطاع بالحيلة والدهاء ومعاونة الأهالي أن يهزم هذه الحملة الغادرة.

رحلت الحملة وبقيت الإسكندرية صامدة في وجه الأحداث فأصبحت خلال القرن التاسع عشر مركز التجمّع الرئيس للأوروبيين في مصر الذين زاد عددهم زيادة ملحوظة في البلاد خلال عصر الخديوي إسماعيل. لذا كان من الطبيعي أن تضم المدينة حياً خاصاً بهم كان أشهر ما فيه ميدان القناصل، حيث أقاموا حوله فنادقهم ومن أبرزها «آبات» و{أوروبا»، أما مقاهيهم فكانت كثيرة ومن أهمها: «القهوة الفرنساوية» في ميدان محمد علي.

عاشت المدينة سنوات عدة يسود الهدوء شوارعها وأحيائها، لا يكدّر صفو الحياة فيها إلا بعض المنغّصات والمناوشات الطبيعية بين الأهالي أو بين هؤلاء والأوروبين إلى أن جاء 11 يونيو 1882، يوم مذبحة الإسكندرية، يوم من الصعب نسيانه أو محوه من تاريخ المدينة، يوم اندلعت فيه شرارة العداء بين المصريين والأجانب المقيمين في مصر فكان بداية النهاية للمسرحية التي أعد الإنكليز فصولها ببراعة لاحتلال مصر، فالمدينة الساحلية الجميلة التي تحوّلت في لحظات إلى مسرح لمجزرة كبيرة وخراب لا يتصوّره عقل قد عاشت معاناة كبيرة لفترة امتدت لأكثر من 35 يومًا بداية من 11 يونيو 1882 مرورًا بـ 11 يوليو، وهو تاريخ ضرب المدينة بالمدافع بواسطة الأسطول الإنكليزي وما تلا ذلك من أيام بما فيها من أحداث تهجير المواطنين وحرق المدينة ثم احتلالها بواسطة القوات الإنكليزية.

بدأت الشرارة من مشاجرة نشبت بين مالطي ومصري على أجرة ركوب حمار فما كان من المالطي الذي كان من رعايا الحكومة الإنكليزية إلا أن طعن المصري وفرّ هاربًا داخل أحد البيوت التي يسكنها المالطيون واليونانيون، بعدها بدأ تبادل إطلاق النيران حتى سقط في هذه الحادثة عشرات الضحايا من الجانبين.

يدلّ الواقع والتاريخ على أن هذه الحادثة المشؤومة لم تكن وليدة اللحظة بل نتيجة لحالة من الغليان عاشتها الإسكندرية باعتبارها جزءًا من مصر... فمصر المحروسة كانت تشهد آنذاك حالة من السخط العام تحوّلت بمرور الوقت إلى ثورة كامنة داخل قلوب وعقول الكثيرين من رجال الجيش الذين عُرفوا في ما بعد برجال عرابي أو رؤساء الثورة العرابية، بالإضافة إلى نواب الأمة الذين سخطوا على أحوال البلاد في ظل حكم الخديوي توفيق والمراقبة الثنائية الإنكليزية والفرنسية على مالية البلاد، وهو الإجراء الذي فرضته الدول الأوروبية على مصر لضمان سداد الديون وحماية الدائنين ومن ثم اتخذته ذريعة للتدخل في أحوال البلاد والرعية، ما آثار سخط العلماء والأعيان والجيش، بالإضافة إلى الخطباء والزعماء الروحيين، أمثال الشيخ محمد عبده وعبد الله النديم، الذين ملأوا فضاء البلاد بالخطب الرنانة عن تردّي أحوال البلاد والعباد ووجوب القيام من العثرة، ما زاد الطين بلة. استمرت هذه التعبئة المسبقة لكل من المصريين والأجانب لفترة طويلة وبدأت بوقوع مصر تحت طائلة الديون التي تراكمت إبان عهد الخديوي إسماعيل الذي بسببها خلعته السلطنة العثمانية عن عرش مصر بإيعاز من الحكومتين الإنكليزية والفرنسية. بعدها ولّت الحكومتان ابنه الخديوي توفيق لتتمكّنا من التدخل في شؤون مصر المالية بواسطة المراقبين الثنائيين الإنكليزي والفرنسي بحجة رد الأموال للدائنين والبنوك الأجنبية، وهذا ما تم لهما بالفعل... فبدأ التدخل بشكل بسيط حتى تحوّل إلى تسلّط كامل على شخصية الخديوي توفيق الذي كان يبلغ من العمر 26 سنة وكان يقال عنه إنه كان ضعيف الشخصية منقاداً للأقوى.

شهدت الإسكندرية أحداث المذبحة تبعتها أحداث الثورة العرابية وضرب المدينة من الأسطول الإنكليزي لتشهد مصر بداية لمرحلة خطيرة في تاريخ البلاد استمرت لسنوات وسنوات لتكون المدينة كعادتها مسرحًا لأحداث فاصلة في تاريخ مصر الحديث.

يبقى الـ 1882 عاماً مليئاً بالحكايات الحزينة التي عاش أبطالها في قمع وحصار وتخريب من المحتل، الذي عاث بالبلاد دمارًا وخرابًا ليصبح عام عاماً مليئاً بالذكريات المريرة.