الأربعاء، 19 مايو 2010

المجاهد البطل عمر المختار ( حياته واقواله )

http://www.sunna.info/souwar/data/media/27/omer04.jpg

مقاوم ليبي حارب قوات الغزو الايطالية منذ دخولها الأراضي الليبية وحتى عام 1931. حارب الإيطاليين وهو يبلغ من العمر 53 عاماً لأكثر من عشرين عاما في أكثر من ألف معركة، واستشهد باعدامه شنقاً و توفي عن عمر يناهز 73 عاما.

ولد عمر المختار في أغسطس من عام 1961 في قرية جنزور شرقي ليبيا، وتربى يتيما، حيث وافت المنية والده المختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة وكانت بصحبته زوجته عائشة.


تلقى تعليمه الأول في زاوية قريته ثم سافر إلى الجغبوب ومكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على يد كبار علماء ومشايخ الحركة السنوسية، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.


ظهرت عليه علامات النجابة ورزانة العقل، فاستحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه السيد المهدي السنوسى مما زاده رفعة وسمو، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن حتى قال فيه السيد المهدي واصفاً إياه " لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم". و لثقة السنوسيين به ولوه شيخا على زاوية القصور بالجبل الاخضر
http://www.3rbbox.com/article/images/6112009-e252a.jpg

وقد اختاره السيد المهدي السنوسي رفيقا له إلى تشاد عند انتقال قيادة الزاوية السنوسية اليها وقد شارك عمر المختار فترة بقائه بتشاد في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية الفرنسية في المناطق الجنوبية قبل أن يعين شيخاً لزاوية (عين كلكه) ليقضي فترة من حياته معلماً ومبشراً بالإسلام في تلك الأصقاع النائية، وبقي هناك إلى ان عاد إلى برقة واسندت اليه مشيخة زاوية القصور للمرة الثانية .


عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يوماً بيوم, فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا في 29 سبتمبر 1911 وبدأت البارجات الحربية بصب قذائفها على مدن الساحل الليبي, درنة وطرابلس ثم طبرق وبنغازي والخمس, حينها سارع عمر المختارا إلى مراكز تجمع المجاهدين حيث ساهم في تنظيم حركة الجهاد والمقاومة. وقد شهدت الفترة التي أعقبت انسحاب الأتراك من ليبيا سنة 1912 وتوقيعهم "معاهدة لوزان" التي بموجبها حصلت إيطاليا على ليبيا، أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي.


بعد الانقلاب الفاشي في إيطاليا في أكتوبر 1922 وبعد الانتصار الذي تحقق في تلك الحرب إلى الجانب الذي انضمت إليه إيطاليا. تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي, واضطر إلى ترك البلاد عاهداً بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار في الوقت الذي قام أخاه الرضا مقامه في الإشراف على الشئون الدينية.


بعد أن تأكد للمختار النوايا الإيطالية في العدوان قصد مصر عام 1923 للتشاور مع السيد إدريس فيما يتعلق بأمر البلاد وبعد عودته نظم أدوار المجاهدين وتولى هو القيادة العامة.


ومع الانتصارات المتوالية للمجاهدين عين موسوليني بادوليو حاكماً عسكريا جديدا لليبيا في يناير 1929 وهو الذي بدأ بإظهار رغبته في السلام وطلب مفاوضة عمر المختار، تلك المفاوضات التي بدأت في 20 أبريل 1929.


لكن عندما وجد المختار أن تلك المفاوضات تطلب منه اما مغادرة البلاد إلى الحجاز او مصر أو البقاء في برقة والإستسلام مقابل الأموال والإغراءات رفض كل تلك العروض واختار استمرار اعمال القتال.


دفعت مواقف المختار إيطاليا إلى دراسة الموقف من جديد وتوصلت إلى تعيين جرسياني وهو أكثر جنرالات الجيش الإيطالي وحشية ودموية ليقوم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ.


وفي 11 سبتمبر من عام 1931، وبينما كان الشيخ عمر المختار يستطلع منطقة سلنطة عرفت الحاميات الإيطالية بمكانه فأرسلت قوات لحصاره ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقين ورجحت الكفة للعدو فأمر المختار بفك الطوق والتفرق، ولكن قُتلت فرسه تحته وسقطت على يده مما شل حركته نهائياً. فلم يتمكن من تخليص نفسه ولم يستطع تناول بندقيته ليدافع عن نفسه، وسرعان ما حاصره العدو من كل الجهات وتعرفوا على شخصيته، فنقل على الفور عبر البحر إلي بنغازي حيث أودع السجن الكبير.


في هذة الأثناء كان جرسياني خارج ليبيا وما أن وصلته الأنباء حتى عاد على الفور وأعلن عن انعقاد "المحكمة الخاصة" في 15 سبتمبر 1931 لمحاكمة عمر المختار.


عقدت للشيخ محكمة صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي مساء الثلاثاء 15 سبتمبر 1931 وصدر الحكم في النهاية بالإعدام شنقاً حتى الموت.


وفي صباح اليوم التالي اتخذت جميع التدابيراللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران فضلا عن 20 ألف من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين خصيصاً من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.


واحضر الشيخ عمر المختار مكبل الأيدي، وبدأت الطائرات تحلق في الفضاء فوق المعتقلين بأزيز مجلجل حتى لا يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم.


وفي تمام الساعة التاسعة صباحاً تم تنفيذ الحكم بينما كان الشيخ يتمتم بالآية الكريمة "يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية".





من اقواله ..



انني اؤمن بحقي في الحرية، وحق بلادي في الحياة، وهذا الايمان اقوى من كل سلاح، وحينما يقاتل المرء لكي يغتصب وينهب، قد يتوقف عن القتال اذا امتلأت جعبته، أو أنهكت قواه، ولكنه حين يحارب من أجل وطنه يمضي في حربه الى النهاية.


سوف تأتي أجيال من بعدي تقاتلكم، أما أنا فحياتي سوف تكون أطول من حياة شانقي.



يمكنهم هزيمتنا اذا نجحوا باختراق معنوياتنا.


من كافأ الناس بالمكر كافأوه بالغدر.



نحن لن نستسلم، ننتصر أو نموت.


ان الظلم يجعل من المظلوم بطلاً، وأما الجريمة فلا بد من أن يرتجف قلب صاحبها مهما حاول التظاهر بالكبرياء.



نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الآخر، ولا نسلم أو نلقي السلاح.


ان الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويك.



لئن كسر المدفع سيفي فلن يكسر الباطل حقي.


اننا نقاتل لأن علينا أن نقاتل في سبيل ديننا وحريتنا حتى نطرد الغزاة أو نموت نحن، وليس لنا أن نختار غير ذلك، انا لله وانا اليه راجعون.



لا يستطيع أحدٌ ركوب ظهرك . إلا إذا كنتَ منحنياً .


المصيبة ليس في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار

الشيخ خزعل بن مرداو الكعبي حاكم الاحواز

الأمير الشيخ

خزعل بن مرداو الكعبي

(رحمه الله)

الشيخ خزعل

خزعل بن جابر بن مرداو ألكعبي ألعامري, أمه نورة بنت طلال شيخ قبيلة الباوية, ولد سنة 1862م.


نشأ الشيخ خزعل في المحمرة وتعلم على أيدي بعض من الشيوخ, وتدرب على الفروسية فكان عونا لأبيه وأخية من بعده, و قد تولى الإمارة على أثر مقتل أخيه الشيخ مزعل سنة 1897م.


يعد الشيخ خزعل من الشخصيات العربية البارزة في تاريخ العرب الحديث, إذ انه لعب دوراً رئيسياً في أحداث الخليج العربي في الربع الأول من القرن العشرين, وساهم مساهمة فعالة في أحداثه, واحتل مكانة مرموقة بين أمراء الجزيرة العربية. وحرص الريحاني: على أن يؤكد لنا: " أنه أكبرهم – بعد الشريف الحسين- سنّاً واسبقهم إلى الشهرة وقرين أعظمهم إلى الكرم".


( السلطان عبدالعزيز آل سعود والشيخ خزعل يستعرضان إحدى فرق المشاة البريطانية في البصرة عام 1916 )

وهو لا يقل مكانة عن شخصية الشيخ سلمان بن سلطان ألكعبي (1767-1737م) –الشخصية البارزة التي حكمت الإمارة إبان القرن الثامن عشر, وتأتي أهمية الشيخ خزعل من أن إمارته شهدت أيامه أحداثا غاية في الأهمية, فقد شهد تفجر النفط وتبلور المصالح الأجنبية في منطقته, وشهد قيام الحرب العالمية الأولى, وعدّ موقع إمارته الاستراتيجي خطيراً إبانها, كما شهد انهيار الحكم القاجاري في إيران وقيام الحكم البهلوي بدله, ذلك الحكم الذي أطاح بحكمه. ( د. مصطفى عبد القادر النجار : التاريخ السياسي لإمارة عربستان ) .


( لوحة زيتية للشيخ خزعل )


كتب عنه عبد المسيح الانطاكي, يقول " بشوش الثغر, طلق المحيا, ذو نظر جذاب, فصيح اللهجة, وديع يؤانس ضيوفه, شريف العواطف ذو سماحة وطلاقة, حليم عند القدرة, شفوق على اللائذين, تقي ورع, مسلم صادق بدينه يصلي الأوقات الخمسة, بطل باسل عند اشتباك الحروب" ( الدرر الحسان في إمارة عربستان
: 30 - 29 ) .

ويصفه علي محمد عامر " عالم وهو النصير الأكبر للعلماء والشعراء, شاعر كبير له قصائد ومقطوعات من الشعر ". ( المحمرة والوحدة العثمانية
: ص 73- 71 ) .

وقد وجده سليمان فيضي – معتمد الإمارة – " طيبا كريما ميالا إلى المرح والمزاح, ينظر إلى الحياة نظرة متفائل, وكان يعيش في قصره الفخم محاطا بكل مظاهر العز والسلطان, ". ( في غمرة النضال
: 294 ) .


( زيارة الوفد العثماني للشيخ خزعل )

( من اليمين: ( غير معروف ), رئيس التجار السيد طالب النقيب ، الشيخ خزعل ، الوالي العثماني ، قائد القوة البحرية التركية )

ويقف الريحاني – المؤرخ المعاصر – بين الطرفين, فهو يقرر فضل الشيخ خزعل, ثم ينحو عليه باللائمة في الوقت نفسه. فيذكر " أنه غني حكيم كريم يساعد في بناء كنيسة في بلاده لمنكوبي الكلدان, إذا ناوأه أحد مشايخ القبائل وهم بالخروج عليه وكانت له بنت صالحة للنكاح يزوره ويشرفه بالمصاهرة فتخمد في الحال جذوة التمرد والعصيان, وهو لا يزال على سنه التي تجاوزت الستين أهلا لمثل هذه المهمات. ( الريحاني تاريخ ملوك العرب ج 2 : ص186 ) .


كما كان من المعروف أن الشيخ خزعل شيعي المذهب، له عند علماء الدين في النجف وكربلاء مقام كبير وكان قصره لا يخلو من وفودهم، كما كانت له مواقف مشرّفة في أعمال البر. وهو برغم هذا لم يعرف عنه التعصب المذهبي الذي كان شديداً أيامه ولم يعادِ أصحاب المذاهب الأخرى. ويُروى أن مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني زاره في المحمرة للحصول على هبة لترميم المسجد الأقصى، فأعطاه تسعة آلاف روبية. ويبدو لنا من توافرنا على دراسة هذا الأمير أنه كان متمتعا بقدر كبير من المزايا والصفات التي جعلت منه شخصية متنفذة وقد طغت على الكثير من رجالات ساحل الخليج العربي, فكان واحدا من أشهر الذين عرفهم الخليج في التاريخ الحديث, وقد عرفه بالقوة والصلابة, كما عرف باطلاعه الواسع على شؤون الخليج العربي وإيران والعراق ونجد. ( الداود- الخليج العربي ص : 71 ) .


( تقديم وسام نجمه الهند للشيخ سالم المبارك بتاريخ 25 مارس 1919)
( السيد رجب, الشيخ سالم المبارك, رئيس الخليج المستر بل, الشيخ خزعل, المعتمد البريطاني بالكويت الكابتن مكلم )


وقد عرف عن الشيخ خزعل علاقاته الوطيدة مع شيوخ العرب والمتنفذين من الشخصيات المجاورين لإمارته. كما أنه حسنّ صلاته مع بلاد فارس " فكسب احترام وحب أكابر رجالها, ونال بذلك أعظم أوسمتها وألقابها " ( الانطاكي – رحلة في وادي النيل
: 207) .

وقد عرف كيف يحقق لعربستان استقلالها الداخلي والخارجي, إذ يذكر رضا شاه : " كان أميرا مستقلا داخل حدوده... ليس لحكومة طهران أي سلطان عليه... وقد مضت عليه أعوام دون أن يدفع أية ضريبة للدولة.. غير أنه كان أحيانا يرسل بعض الهدايا إلى شاه إيران شخصيا ", ( مذكرات رضا شاه : 38 ) .


( صورة ( بروشور ) قديمة للترحيب بزيارة الشيخ خزعل للشيخ مبارك في الكويت )


وهو من ناحية أخرى كان يرى"أن الوقت قد حان لزوال إمبراطورية آل قاجار, ولذلك حزم أمره على إعلان استقلاله للعالم الخارجي متى ما شعر بالخطر يحدق بإيران" ومن أجل هذا فكر في تقوية علاقاته مع الإنجليز, ولذا فإن فترة حكمه تمثل تغيراً جذريا في سياسة المحمرة مع الموظفين الإنجليز في الخليج العربي, فقد زالت تلك المعارضة التي صرح بها أبوه وأخوه منذ فتح نهر كارون للملاحة النهرية, ولقيت الشركة البريطانية ( لنج ) مساعدات قيمة من حكومته وقد أخذت السفن البريطانية المارة في شط العرب أمام قصره تطلق له مدافع التحية. ( الدود –الخليج العربي
: 72 ) .


( من اليمين قائد القوات البريطانية في البصرة, السير بيرسي كوكس, السلطان عبدالعزيز, الشيخ خزعل, عبداللطيف باشا المنديل, احمد باشا الصانع )
( أثناء تفقدهم القوات والعتاد في البصرة سنة 1916 م )


في سنة 1908م تم العثور على النفط في مسجد سليمان – أحدى مدن الإقليم الشرقية على بعد 150كم من رأس الخليج – على عمق 1180 قدما, وأتضح أن تفجره قد تم في الأهواز قبل غيرها من الإمارات العربية على الخليج. لذا فقد فتح الإنجليز باب المفاوضات مع الشيخ خزعل برغم من احتجاجات شاه فارس عليهم لعقد اتفاقية بشأن جزيرة عبادان للبدء في أنشاء معمل لتكرير النفط فيها, إضافة, لمد خط أنابيب طوله 130 ميلا بين الحقول ومرفأ النفط في عبادان. وبهذا الخصوص يذكر السير أرنولد ولسن – وهو سكرتير الوفد المفاوض للشيخ خزعل – إن لقاء قد تم بين الشيخ خزعل والسير برسي كوكس الوكيل البريطاني في بخارى والمتولي شؤون المناطق المحيطة بالخليج العربي وبعد أربعة أيام من المفاوضات فقد توصل الطرفان في السادس من مايو أيار سنة 1909م إلى اتفاق يقضي بدفع 650 جنيها سنويا إلى الشيخ خزعل كإيجار لموقع معمل تكرير ومرور أنابيب النفط عبر أراضيه, ( هارفي – الأزمة العالمية : 350-343م ) .

إلى جانب تأييد استقلاله ضد ادعاء الحكومة المركزية. و وعد بمساعدة عسكرية إذا ما تعرض لأي اعتداء. ( بروكلمان – تاريخ الشعوب الإسلامية – ج 5
: 136 ) .


وهكذا حقق الشيخ خزعل – الذي امتدت إمارته أكثر من ربع قرن- لنفسه مكانة دولية مرموقة, وقد حصل على أوسمة كثيرة من ملك بريطانيا, وسلطان تركيا, وشاه فارس, والبابا في روما وغيرهم, كان يحملها على صدره إذا لبس ثوبه الرسمي . (
محمد لطفي جمعة – حياة الشرق : 111) .

-----------------------------------------------------------------

ما كُتب عن الشيخ خزعل في كتاب
-----------------------------------------------------------------

(( تاريخ ملوك العرب - أمين الريحاني ))

قل من لا يعرفة – قل من يعرفة – ثروتة و كرمة و أدبه – ذوقة الشامل – الغواني – الشعراء – الاحبار – اجمل ازهار الكرم فية – الكنيسة و محفل الماسون و الراقصة – التساهل في غير القبيح الذميم – ولا يأنف من اللعب – و لا يروعه تعدد النساء في الحريم – (( من هي امك يا وليد )) – الزواج السياسي – جاء في الكامل للمبرد – نياشين من الملوك – ومن بابا رومه – و من الفيلسوف ابيكوروس و الصوفي ابن العربي – لماذا ترددت في زيارته – كتابي اليه – جوابه – اجتماعنا – حديث عن اطباء الاسنان – و عن الاخوان – القهوة في مجال آل صباح – بلية العالم – الرجوع الي الارض بعد الموت – متي يحب ان يرجع الشيخ خزعل .

سمو السردار اقدس , معز السلطنة , الشيخ خزعل خان بن نصرت الملك الحاج جابر خان الحاسبي المحيسني الكعبي العامري , امير نويان و سردار عربستان , و مؤلف كتاب الرياض الخزعلية في السياسة الانسانية . قل من لا يعرفه من قراء الصحف العربية باسمه و لقبه الاولين في الاقل . فهو من امراء العرب بعد الملك حسين سناً , و اسبقهم الي الشهرة , و من اعظمهم في الكرم . هذا ما يعرفه اكثر العارفين بالبلاد العربية .

اما ما يجهله اكثر الناس خارج الكويت و البصرة فهو ان هذا الامير العربي من طراز الامراء عهد العباسيين . اعني بذالك انه غني حكيم كريم معاً . فهو برمكي في كرمه , و في ذوقه , و في أدبه . يحب اللهو و الغناء حبه الادب و الشعراء . بل يميل الي كل ما فيه شيء و سماسرة البورص من طبقة واحدة . فلم نفهم كلامه فهل لك ان تشرحه لنا .

فقلت : اما باعة الخيل فالمشهور من امرهم هو انهم مثل من يبيعون المعاليق في حماه فينفخونها قبل ان يزنوها . اما سماسرة البورص فلهم في امريكا اسم آخر اظن فيه الشرح الذي تبغيه . فهم كما يدعونهم هناك اصحاب الدلو الفارق . اي انهم يتاجرون بلا شيء , بالهواء . فيبيعون زبائنهم ما لا يملكون من الاسهم . و كذالك الزبائن يبيعون و يشترون . هو ضرب من لعب القمار , يكثر فيه ما هو محض سر من الاسرار .

- و اين وجه الشبه بينهم و بين طبيب الاسنان .

- وجه الشبه في المبداء يا مولاي – المبداء واحد هو الوهم و الاحتراف به هو الهواء في المعاليق , و هو الدلو الفارق او الهواء في الدلو . فاذا رجت الي طبيب اسنان تشكو الا من ضرس واحد يقول لك بعد الفحص انك جبار لانك لا تشكو الا من ضرس واحد , و ان بقية اضراسك في حالة مفجعة , فيقنعك بما اوتي من علم ان معالجتها كلها لازمة و لو اقتضي ذالك شهراً من العمل . و الا فتمسي بعد اشهر و ليس في فمك سن واحدة.

فقال الشيخ خزعل : قد اخطاء الاميركيون اذاً . فلو كان هذا الرجل عندنا لعددناه من الناشلين ؟ فضحك الشيخ احمد و قال : ينشل ما في الفم و ما في الكيس . فقال الشيخ خزعل : و الحمد لله ان اطباءنا سوريون.

قد كان في معية سمو الشيخ طبيب آخر سوري هو الدكتور رامي . ولكن الطبيبين قلما يصفان من القاقير غير المنادمة . و هما الصيدليان كذالك , فيمزجونها لسيدهم في السمر و حول الغطاء الاخضر المشهور.

جاء الخادم بالقهوة . فعلمت ان مجلس حاكم الكويت الرسمي يختلف عن مجلسه العام بامرين . الاول ان المجلس الرسمي المفروش بالريش الفاخر لا يحضره غير افراد من حاشيته و اسرته . و المجلس العام مفروش بالوسائد و المساند يحضره من يشاء من الناس . فيجلس في المكان الذي يليق به و لا يتعداه . اما الفرق الآخر فهو في تقديم القهوة . في المجلس الرسمي لا يصيح الخدم و يردد بعضهم صدي بعض و في المجلس العام بل في مجالس آل الصباح اجمالا اذا ما امر الشيخ بالقهوة يصيح الخادم : أقهوة . فيهتف الخادم الواقف في الفناء : اي والله اقهوة ! فيسمعه الخادم الجالس عن باب المطبخ فيصيح كذالك : اقهوه ! فيؤمن راعي المعاميل علي الصياحين اجمعين مردداً كلمة السر : اي والله اقهوة . فتجيء القهوة في الحال و ان كان المطبخ علي نصف ساعة من المجلس .

انتقلنا في الحديث من الاسنان الي الاخوان فقال الشيخ احمد : التعصب بلية العرب .

و قال الشيخ خزعل : بل بلية العالم . ولو كان لي ان ارجع بعد الموت الي هذه الارض لما احببت ان يكون ذالك الا عندما تصبح ولا اثر فيها للتعصب الديني . الانسان اخو الانسان احب ام كره.(1)

.......................................

(1) اسلفت القول ان المحمرة و ما يليها اي عربستان هي من اعمال فارس.

كان الشيخ خزعل يحكمها حكما مستقلا و قلما كان يؤدي الي الحكومة الايرانية المركزية حساباً . اما بعد الانقلاب , او بالحري عندما كان رضا خان مسيطراً علي الجيش و قبل ان توج شاهاً , تصدت الحكومة الجديدة للشيخ خزعل فقوضت استقلال هذه الامارة العربية و ساقت الشيخ خزعل الي طهران حيث ما لبث ان مات حزيناً مقهوراً .

هوذا الامير العربي الذي كنت متردداً في زيارته بالمحمرة . و قد ترددت لسببين , اولهما لان المتأدبين يؤمون تلك السدة الشريفة و في جيوبهم قصائد المديح الطنانة , و لست لسوء الحض ممن يحسنون النظم و لا المديح الرسمي و ثانيهما انه حاكم بلادً اطلق عليها العرب في الماضي اسم الأهواز و هي اليوم عربستان من اعمال فارس . علي ان رغبتي في الاجتماع بامير عرفته من اخباره انه فيلسوف الامراء , بل فيلسوف الحياة العملية . كادت تتغلب علي اسباب التردد كلها , فوطنت النفس علي ان اعرج علي المحمرة في عودتي الي البصرة . ولكن تقادير الخير امرضتني فجمعتني بالدكتور ريحان الذي بشرني بوجود سمو الشيخ في الكويت (1)

...........................................

(1) كان الشيخ مبارك آل الصباح و الشيخ خزعل صديقين حميمين يتزاوران دائماً فتوقفا الي فكرة جميلة يخلدان بها تلك الصداقة الجميلة . فبني الشيخ خزعل للشيخ مبارك قصراً في المحمرة بني الشيخ مبارك للشيخ خزعل قصراً في الكويت . ولكنه كان الي جانب قصره في المدينة فبني بعدئذ الشيخ خزعل قصراً خارج السور يقيم فيه بعض اشهر الشتاء . و هنالك اليوم قصر الشيخ احمد آل الصباح مجهز بالكهرباء و التلفون و مفروش بالفاخر من الرياش.

بادرت الي القلم و الورق اكتب اليه كلمة استأذنه بالزيارة , فوقف القلم في رأس الصفحة البيضاء جامحاً . كيف احيي هذا الامير و هو كثر الالقاب و الرتب و الاوسمة ؟ بل كيف احيي من يتحدث الناس من عرب و عجم و افرنج عن مكارم اخلاقه و غرر اياديه ؟ هل احذو حذو الادباء فانظم الاسجاع , في من كرمه كالمسك ضواع , و متفق عليه بالاجماع ؟ قد يظنها قصيدة مدح مني فيعاملني بما يوجبه شرع المحمرة . لذالك طرحت الرسميات جانباً و كتبت الي مولاي الشيخ خزعل كلمة سلام مقرون بالاجلال و الاكرام , فجاءني منه الجواب الآتي :

ايها الفيلسوف المكرم , حياك الله و ابقاك , و حفظك و نجاك , و اني مشتاق الي لقياك . فيجب ان ازورك قبل ان تزورني لان لكل قادم حق الزيارة و قد سبقتني بالجميل في كتابك الكريم , فاشكر ذاك الذوق السليم و اني صباحاً ان شاء الله ازورك في محل الجميع و احظي بنور تلك الطلعة و اختم كتابي بالدعاء لكم بالتوفيق و السلام عليكم .

المحب لكم

خزعل

و كان اجتماعنا الاول في (( محل الجميع )) اي عند سمو الشيخ احمد في الجناح الجنوبي من القصر في القاعة المفروشة بالفرش الاوروبي .

الشيخ خزعل في العقد السادس من العمر و هو , بالرغم عن الطبيبين في معيته , علي جانب متين من الصحة و العافية . الا انه كان يشكو يومئذ من اسنانه و من الطبيبين معاً.....

- سمعت الناس يشكرون اطباء الاسنان في امريكا . وقد قال لنا احد افاضل الاميركيين ان اطباء الاسنان هناك و باعة الخيل من اسباب السرور كلها , العقلية و الاجتماعية و الجسدية . و ان كلمة قالها معاوية : الدنيا بحذافيرها , الخفض و الدعة . لتصح ان تكون من كلماته .

أجل , ان للشيخ خزعل ذوقاً انسانياً شاملاً فلا ينفر من غير القبيح و الذميم في الحياة , ولا يعرف في مكارمه التفضيل و التمييز تجيء المغنية من حلب او من دمشق الي المحمرة و هي لا تملك غير خلخالها فتقيم عدة اشهر في القصر و تعود غنية مثقلة بالحلي . و يجيء الشعراء و في جيوبهم قصائد المديح فيعودون من المحمرة و في جيوبهم اكياس من المال . و يجيء حبر من احبار المسيحين فينزل علي سمو السردار ضيفاً كريماً محترماً و يعود مصحوباً بالهدايا الثمينة . ثم يجيء المبشر بالماسونية فيحل محل الاسقف في القصر الخزعلي و يعود بعد اقامة سعيدة كما عاد المحترم قبله .

ان من اجمل ازاهر الكرم في هذا العربي تساهله و هو شيعي المذهب . فهو يساعد في بناء كنيسة في بلاده لمنكوبي الكلدان , و يساعد في تأسيس محفل للماسون و يفتح خزانته لراقصة او مغنية كما يفتحها لاولي البر و الاحسان من الطوائف كلها جمعاء. و هو علي مقامه بل بالرغم من مقامه يميل دائماً الي ما فيه لهو او تسلية او فكاهة . فاذا ما انتابه الصجر في القصر , و كان قصر الضيافة فارغاً , ولم يكن ليرغب في زيارة البصرة ليشرف طاولة (( البوكر )) فيها , ينادي اولاده قائلاً : يا ولد الخير تعالوا . الا تلعبون . فيجيء السردار ارفع او السردار اجل او السردار جاسم او نصرت الملك او كلهم اجمعون , فيجلسون مع عظمة الوالد الي تلك الطاولة الخضراء العزيزة الشأن حتي في المحمرة و البصرة.

و الشيخ خزعل من امراء العرب المحافظين علي تقاليد الاجداد في التعريس , و لا سيما ان شريعة المتعة عن الشيعة تساعده في ذالك . فقد قيل لي ان له اكثر من ستين امرأة و انه قلما يعرف اولادهن. كثيراً ما يجيئه احد اولئك الصغار فيسأله قائلاً : و من هي امك يا وليد ؟ ثم اذا ناوأه احد مشايخ القبائل و هم بالخروج عليه : و كانت له بنت صالحة للنكاح , يزوره السردار اقدس و يشرفه بالمصاهرة , فتخمد فيه في الحال جذوة التمرد و العصيان . سألت عن سمو الشيخ و انا في البصرة فقيل لي هو متغيب اليوم . فقلت : و اين هو ؟ فقال محدثي : راح يتزوج و هوا لا يزال علي سنه الي تتجاوز الستين اهلاً لمثل هذه المهمات.

جاء في الكامل للمبرد ان انعم الناس عيشاً من عاش غيره في عيشه. و لا اضن الشيخ خزعل يحتاج الي شهادة المبرد و شهادتي في انه يعتقد هذه الحكمة و يعمل بها . فهو اذا لبس ثوبه الرسمي يحمل علي صدره شهادات من ملوك الارض و فيها وسام القديس غريغوريوس من البابا بناديكتوس الخامس عشر و بين تلك الاوسمة و النياشين كلها وسامين لايراهما كل الناس بل لايراهما غير من نظر الي هذا الرجل بعين الشعر و الفلسفة . فهو في صفته الانسانية يحمل وساماً من الفيلسوف الاغريقي ابيقور و آخر من الحكيم الالهي الصوفي محيي الدين ابن العربي.

أدين بدين الحب كيف توجهت ركائبه فالحب ديني و ايماني

ضابط سعودي يروي تفاصيل مثيرة عن تاريخ باكستان وحرب الخليج

سعوديون ذهلوا من أمريكا وعرب كانوا يغسلون الأطباق

ضابط سعودي يروي تفاصيل مثيرة عن تاريخ باكستان وحرب الخليج


الرياض - محمد عطيف

يروي ضابط بحرية سعودي متقاعد تفاصيل مثيرة عن أحداث وشواهد سياسية مهمة من تاريخ باكستان، عندما كان مبتعثاً هناك، إضافة لحديثه عن حرب الخليج وأبرز التغيّرات التي مرت بالمنطقة بسببها، ثم يعرج ليصف حال السعوديين والعرب في زيارتهم الأولى لأمريكا.

لا تحفل السير الذاتية والأدبية عادة بالكثير من التعبير عما يُعتبر خطوطاً حمراء أو كشفاً لأسرار كانت في وقت ما غير قابلة للتداول، إلا أن كتاب السيرة الذاتية الأخير لأحد ضباط البحرية السعودية المتقاعدين تطرق لجوانب تمثل ذلك، وتتجاوز نفسها أيضاً في بعض المراحل من خلال تعرضها ليوميات الضباط السعوديين خارج الحدود، وأثناء مراحل معينة كان لها أبرز الأثر في تشكيل حضورهم، وأحياناً في أوقات عصيبة، لكنها عكست حتى مفاجأة وقوفهم أمام مواجهات غير متوقعة بالنظر لواقع اجتماعي في فترة ما انطلقوا منه نحو العالم.

كتاب السيرة الذاتية "ليس للأدميرال من يكاتبه" ولمؤلفه العميد ركن بحري متقاعد والخبير الاستراتيجي السعودي عمرو العامري من أبرز ما تعرض له كان تدويناً تاريخياً مهماً ومثرياً لحقبات تاريخية حساسة، فعلى سبيل المثال وتحت عنوان "أكانوا أيضاً يفعلون بك كذلك" يسرد المؤلف كشاهد عيان (مبتعث) في نقطة ساخنة سياسياً عن حقبة انقلاب الجنرال محمد ضياء الحق وفترة الانقلاب على ذي الفقار علي بوتو والإطاحة بالنظام، وكيف تأججت المواقف العالمية وسط رفض لكل نداءات العالم لإطلاق سراحه "قبل أن يشنق ذات فجر في أحد السجون المنسية بمباركة قضاة مزورين وحقد أعمى".

عودة للأعلى

باكستان: كل شيء قابل للبيع

آبار النفط مشتعلة في حرب الخليج الاولي

وينطلق المؤلف لرصد أعمق بين محاولات قوية للحيادية فيصف افتقار المؤسسة العسكرية الباكستانية وقتها للغطاء الشعبي في ظل غليان باكستان لفقد بوتو ليلجأ ضياء الحق للدين، وبحسب وصف المؤلف لم يجد ضياء الحق وسط ذلك أفضل من عباءة الدين ليلبسها"، ناقلاً القارئ في محطات ومن زاوية ربما غابت عن التغطيات الرسمية والحرفية الإعلامية لنقل بسيط ومعبر من أعين محايدة تصف تبدلات الانتخابات البرلمانية وتبادل السلطات، وصعود وهبوط الأحزاب، متنقلاً بين التطبيق للحدود الإسلامية الشرعية، وانتشار الفساد في كل المؤسسات وأن كل شيء في باكستان في تلك الفترة "كان قابلاً للبيع" وكيفية انتكاس البلد بعد أن كان منافساً قوياً لدول ككوريا وتايوان في المداخيل والصناعات.

ويواصل المؤلف رصد الأحداث واندلاع الحرب وغزو أفغانستان وظروف التدخل الأمريكي وصولاً لعمق الحرب الباردة والتواجد الروسي، وملقياً الضوء من ناحية أخرى على التفاعل الاجتماعي الشعبوي وقفل الأندية الترفيهية وفصل النساء عن الرجال وصراع السنة والشيعة، حتى يصل للقول: "وخصصت مساجد للسنة وأخرى للشيعة، ثم خصصت مساجد لجماعة التبليغ، وأخرى لأهل الحديث، ولم يعد غريباً أن تسمع الأذان أربع مرات للصلاة الواحدة، ولم يعد للناس من ملاذ سوى الجماعات الدينية".

الكاتب حاول كعسكري خبير وراصد أن يجمع بين النظرة الشعبية وبين محاولات تفسير الحضور الرسمي والنزاعات الدولية ومواقف حكومة البلد ما بين ذلك، فيروي جوانب مهمة مثل كيف كان ضياء الحق سعيداً ويؤدي العمرة أربع مرات في السنة مواصلاً افتتاح المعاهد الدينية حتى ظروف اغتياله الشهيرة، وكيف اختلطت دماؤه بثمار المانجو التي كانت معه في الطائرة.

عودة للأعلى

تحولات السعودية

دبابة محترقة في حرب الخليج الأولى

وينتقل الكاتب بعدسته لتصوير ظروف معيشة المبتعثين العسكريين من كل الدول العربية في تلك الفترة بباكستان فيقول: "وجدت نفسي بين طلاب باكستانيين وسعوديين وليبيين وفلسطينيين ومن كل دول الخليج، وكنت أراقب كيف كان الأخوة الليبيون يزينون ثكناتهم بصور العقيد القذافي ويوزعون الكتاب الأخضر ويبشرون بالنظرية العالمية الثالثة عن خوف لا قناعة"، مضيفاً "كان الأخوة الفلسطينيون قادمون من المخيمات ولم يكونوا طلاباً بل فدائيين قاموا بعمليات داخل الأردن وإسرائيل، وبعضهم يحمل رتباً عسكرية، وتلقى بعضهم تأهيلاً ثقافياً وكانوا يزينون صدورهم بصور لينين وماركس وغيفارا وعرفات وأبوجهاد حتى صور الإرهابي العالمي كارلوس، اعتبرته طبيعياً في زمن الشعارات ولم يكن بيننا وبينهم مظاهر ودّ فهم لا يرون في السعوديين غير أتباع لأمريكا والإمبريالية، صدمنا نحن السعوديين الذين كانت ثقافتنا في حدود روايات المنفلوطي وجواهر الأدب والكيلاني".

وتحت عنوان "القروي يموت" يصف المؤلف التحولات الكبرى التي مرّت بها السعودية خصوصاً في المنطقة الشرقية مع بداية فترة الطفرة كما يسيمها السعوديون، متعرضاً لتراكم الثقافات وقوانين التطور البطيء، وكيف تعلم الكثير من العسكريين قيادة القطع العسكرية قبل قيادة السيارة، كما يتعرض ليوميات البحارة السعوديين، "في ليالي الصيف يغدو الإبحار لحظات من الفتنة وتهب نسائم الخليج العربي وترقص الدلافين مع أضواء الناقلات المبحرة من رأس تنورة والأحمدي ومن آبار نفط العراق، كنا نفتح قناة الاتصالات الدولية لنسمع تعليقات البحارة البذيئة من سفن لا نعرف مواقعها على الماء، ونداءات موانئ وحكايات صيادين ومهربين وعالم افتراضي غريب".

عودة للأعلى

صدمة حضارية

ضياء الحق

وفي عنوان لافت "في زيارة صديقي هرمان" يصف الكاتب صدمة حضارية من نوع ما واجهت بعض الشباب السعوديين في أول زيارة لأمريكا فيصفها بأسلوب ساخر راصداً أيضاً كيف ارتبطت أمريكا بالقوة والغطرسة في حرب 67، وكيف كان بعض المبتعثين يختارون أغنياتهم المفضلة ليرسلوها إهداءات لأهاليهم عبر برامج إذاعية، ويتطرق لوصف حياة كثير من الجنسيات العربية قائلاً: "رأيت جنسيات تكدح ليل نهار في أمريكا، تعمل في المطاعم ومحال البنزين وفي بيع الجرائد وغسل الأطباق في الشوارع الخلفية فقط لتبقى في أمريكا أو ليقال إنها في أمريكا".

تجربة الكاتب في محطاته في باكستان مروراً بأمريكا وفرنسا وبنغلاديش وسريلانكا وماليزيا وإندونيسيا وعودة إلى باكستان من جديد، والوصف المشهدي لأبرز الأحداث السياسية والاجتماعية خلال تلك الفترة تكاد تكون مدونة مهمة للباحثين فهي تكمل حلقة النقل الرسمي والتغطية المتجملة من خلال عين شاهد عادي وعسكري في ذات الوقت، وصولاً لمعايشة حقيقية للنظرة الغربية نحو السعودية وربطها بالإرهاب وكيف ناضل في عدة نقاشات حتى إلقائه محاضرة عن الخطأ في الخلط والإساءة إلى الإسلام ألقاها في كنسية أحد الأحياء الأمريكية.

عودة للأعلى

"قريباً من حافة الموت"

غلاف الرواية

غير أن الرصد الأبرز كان تحت عنوان "قريباً من حافة الموت" عندما يستعرض الكاتب جوانب من أكثر لحظات حساسية إبان احتلال العراق للكويت، والتأصيل للأسباب منذ بداية الخلاف حول الحقول الحدودية ومشكلة الديون العراقية إلى الاحتلال المفاجئ فيصف بعض ذلك قائلاً: "لم نكن نعرف ما هو الأسوأ، كنا نلتقط كل إذاعات العالم ونفدت أجهزة الراديو من الأسواق، ورأينا أنواعاً لم نكن نعرفها من قبل.. تسارعت الأحداث ولم تقف معنا – نحن دول الخليج – سوى المغرب ومصر، حتى تلك التي تعاطفت معنا انطلاقاً من مبدأ الربح والخسارة أو العداء للعراق، لكن وقوف مصر والمغرب كان كافياً لترجيح الكفة".

ثم يستعرض أدق الأوقات حرجاً في لحظات التحرير وظروف سير الحرب وصولاً لتقييم نتائج الحرب وموقف قوات التحالف، "ما تغير هنا هو أن القصف كان حياً على فضائيات العالم، والبلد المحرر من رئيسه هو العراق، والعرب هم العرب، أمة على هامش التاريخ".

في 182 صفحة عن دار "الرونة" يأتي الكثير من تفاصيل الكتاب شهادات ومعاينات لأحداث حساسة في التاريخ السياسي والاجتماعي يمكن القول إن المؤلف استطاع أن يدمج السيرة الذاتية بأدب السرد غير متناسٍ الإدلاء بشهادة ربما تضيء بعض الجوانب غير متوافرة في كتب سياسية متخصصة، لكونها في المقام الأول جاءت بقلم شاهد عيان وعسكري خبير حاصل على شهادتي ماجستير في الدفاع واستراتيجيات الدفاع، وبلغة كاتب وأديب صدرت له مجموعات قصصية عديدة ويكتب في عدد من الصحف والدوريات وسبق أن استضيف كمحلل عسكري في العديد من القنوات الفضائية خصوصاً أيام الحرب السعودية ضد الحوثيين المتسللين.