الجمعة، 14 يناير 2011

سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (4-20) صدام اختار داره «مخبأ» لموت ولديه.. والواشي لم يقتنع بملايين الدولارات

سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (4-20)
صدام اختار داره «مخبأ» لموت ولديه.. والواشي لم يقتنع بملايين الدولارات
عرسان في المنطقة الخضراء.. لماذا ستكترث الحكومة لجثة طاغية؟
محمود الشناوي
readers 246
تصغير الخط تكبير الخط
الكاتب الصحافي محمود الشناوي في مكتب صدام حسين حيث أعتقل في حفرة في حديقة المنزل
في الوقت الذي كانت مناطق داخل المنطقة الخضراء تشتعل احتفالا باعدام صدام حسين بينما تجري في غرف مغلقة مفاوضات حول مصير جثمانه واذا ما كان سيتم دفنه في مكان سري أو يجري تسليمه الى ذوي صدام لدفنه في مسقط رأسه كانت حركة غير عادية من نوع آخر تجري في منزل رئيس الوزراء نوري المالكي داخل المنطقة الخضراء حيث كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق تجري للاحتفال بزفاف ابنه أحمد. ورغم أنه لم يتسن لأحد التأكد من حقيقة وجود ترتيب مسبق ان يتم الاحتفال بعرس أحمد نوري المالكي ليلة تنفيذ حكم الاعدام في صدام حسين الا ان مظاهر البذخ التي تخللت حفل العرس والتي منعت السلطات تصويرها بأي شكل بعد ان تمت مصادرة كاميرات وهواتف المدعوين تؤكد ان حفل الزفاف ربما يعني لأصحابه فرحتين (فرحة النصر على عدو يوم الاحتفال بعيد الأضحى.. وفرحة النشوة باتمام العرس).

ويفسر البعض اصرار المالكي على تنفيذ حكم الاعدام في هذا اليوم تحديدا وهو يوم عطلة رسمية وتهديده للسفير الأميركي الأسبق زلماي خليل زاد بأنه سيعقد مؤتمرا صحافيا يفضح فيه التدخلات الأميركية في الشأن الداخلي العراقي ما لم يوافق الأميركيون على تسليم صدام لاعدامه هو دليل على ما أشيع من ان المالكي أقسم أمام ابنه وعدد من أهل بيته ان رأس صدام هو هدية المباركة لابنه وزوجته وأنها المفاجأة التي أعدها لهذا الزفاف منذ شهرين.

وقد حضر الحفل الذي جرى وسط مظاهر من البذخ الشديد عسكريون أميركيون وموظفو السفارة الأميركية ومنع رجال الحماية جميع النساء من اصطحاب الهواتف النقالة باستثناء اسراء ابنة المالكي نفسه التي كانت تصور الحفل بكاميرا ديجتال من نوع سوني .

الرحلة إلى تكريت

لكن دعونا ننتقل الى تفاصيل الرحلة الى قبر صدام في العوجة، فعندما تعبر بوابة تكريت، التي تبعد عن بغداد نحو 175 كيلومترا شمالا تصل الى قرية العوجة مسقط رأس صدام حسين التي ظلت على علاقة طيبة مع عشائر الجبور سكان (ناحية العلم) الأساسيين رغم الاتهامات التي وجهت لبعضهم حول التورط في اغتيال صدام حسين عام 1991.

وبنظرة واحدة على بيوت تلك القرية تتبدد كل المقولات حول منح سكانها لأية امتيازات في عهد الطاغية كما يردد المعارضون فبيوتها شديدة البساطة حتى ان بعضها بقي على حاله منذ بنائه بالطوب الأحمر..أما شوارعها فهي كبقية شوارع العراق من حيث كمية الحفر والمطبات وفوضى الأرصفة .

وعبر طريق ممهد على يسار الشارع العام، الذي يشطر قرية العوجة مسقط رأس صدام حسين والتابعة لمدينة تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين الى نصفين، يمكن للزائر ان يصل الى مضيف يشبه في تصميمه مساجد البلدة تحيطه مساحات من الأرض المزروعة بالخضرة والأشجار والنخيل. ويقوم على رعاية هذا المضيف مجموعة من شباب عشيرة البيجات التي ينتمى اليها صدام حسين وهم يستقبلون الضيوف والمعزين الذين يتوافدون على قبر الرئيس السابق.

القاعة الرئيسة للقبر

قبل ان تدخل القاعة الرئيسة التي تضم القبر تفاجئك لوحة زيتية تحتل الجدار الأمامى للقاعة وقد كتب عليها قصيدة طويلة من شعر الداعية السعودي الشهير عائض القرني يشيد فيها بصدام حسين ويمجده..ويحرص المقيمون على المكان ان يبرزونها ويوجهون الضيوف الغرباء اليها لقراءة ما بها من أبيات قبل الدخول الى هذه القاعة. وتعلو القاعة قبة تم تزيينها بنقوش اسلامية وآيات قرآنية بينما تحتل جدرانها لوحات زيتية وأخرى مصورة لصدام حسين مع بعض الحوائط الخشبية التي تضم مقتنياته والهدايا التي تلقاها أو تلك التي قدمها أفراد وجماعات لتكون حاضرة في قبره الذي لا يرتفع أبداً عن مستوى أرضية القاعة بينما تم وضع الكثير من الورود فوق القبر في مشهد لافت مع مصحف كبير يستند الى حامل خشبي أثري ومقعد تم جلبه من أحد قصور صدام التي تم نهب محتوياتها سواء في قريته «العوجه» أو في تكريت.وفي الجانب الأيسر من القاعة التي تضم القبر تم وضع «دفتر تعازي» حتى يكتب الزائرون كلمات الرثاء وتسجيل ذكرى مرورهم بالمكان.

عند الوقوف الى جانب القبر تجتاحك نوبة من الأفكار عما يحويه هذا القبر المنطمس تحت الأرض من أسرار احتفظ بها صاحب الجثمان ولن تكشف أبدا لتبدأ موجة من التساؤلات التي يتطوع الكثيرون للاجابة عنها، بعلم أو دون علم، ويقص هؤلاء على الزائر الاستثنائي الكثير من الحكايات عن بطولات وانكسارات عن أفراح وأتراح عن قليل من الوفاء وكثير من الخيانات. انهم يقصون الكثير من الروايات عن ما تبقى من آثار لهذا الرجل الطاغية الذي حكم البلاد والعباد أكثر من 30 عاما بكل ما حملت هذه السنوات من أحداث غيرت وجه المنطقة وتأثر بها ليس العراق فقط، وانما الخليج كله والعرب جميعا.. بل والعالم بأسره .

الحقائق والأساطير

حكايات تغلفها الدهشة تقترب الى الأساطير أكثر منها الى الحقيقة عن الأيام التي سبقت بدء الحرب الدولية على العراق، وكيف قضى صدام تلك الأيام غير عابىء بما يجري وانما كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق للاحتفال بيوم ميلاده كما جرت العادة على مدى سنوات حكمه الطويل وكيف كان رجاله يجهزون الميادين في بلدته العوجة ومدينتها تكريت لاستقبال «المهيب الركن» في كرنفالات لا يوحي مظهرها الاحتفالي بما تمر به البلاد والبلدان الأخرى من أحداث وما تنتظره المنطقة والعالم من كوارث، بينما تتزين قصوره التي يحتاج المرور على محيطها فقط ساعات عدة بين أبنية شاهقة وبحيرات صناعية وحدائق غناء استحالت بعد ذلك الى خراب ودمار وبقيت شاهدة على عصر مازال محل جدال عصي على الحسم ويبدو أنها ستبقى كذلك طالما دفنت الأسرار العظمى مع صاحبها في قبر مثل كل القبور .

ويروي القائمون على المكان والزائرون العابرون كيف سقط صدام حسين في قبضة القوات الأميركية مؤكدين اقتناعهم تماماً بما أقر به صدام نفسه بان قيس النامق صاحب المزرعة التي كان مختبئاً فيها هو من سلمه بعد ان أدلى تفصيلياً عن مكان القبو حيث تعرضت هذه المزرعة الى عدد من الحملات العسكرية التي كانت ترجع دون هدفها ولكن هذه المرة كانت القوات تعرف أين صيدها الثمين لينتهي - والى الأبد - أمر الرجل الذي حكم العراق بيد من حديد في مشهد بثته كل قنوات الدنيا واحتل صفحات الصحف والمجلات. ويضيفون ان صدام ظهر كثيراً في قرية العوجة بعد انهيار نظامه عام 2003 وفي أماكن قريبة جداً من تواجد القوات الأميركية مشيرين الى أنه عقد اجتماعات مهمة في بيوت العوجة مع المرافقين له بالقرب من تواجد الأميركيين ، لكنه لم يكن يتواجد بأي مكان أكثر من ساعتين.

وبقدر ما كان صدام مثيرا طوال سنوات حكمه بقراراته التي أثقلت بلاده والعالم، تمتد الحكايات بشكل أكثر اثارة بعد موته لتروي أحداثا يحتفظ كل من يرويها بحق أنها الحقيقة الوحيدة رغم اختلاف كل رواية عن الأخرى وهو ما يجعل الزائر يتوقف طويلا أمام قبر صدام قبل ان يكمل رحلته الى باقي حدود المكان الذي يضمه، والذي يحوي أيضا المزيد من الحكايات والأسرار .



غرف القبر

تحيط بالقاعة الرئيسة التي تضم قبر صدام مجموعة من الغرف التي يمنع القائمون على المكان الزائرين من الدخول اليها حيث تضم احدى هذه الغرف مكتبا لصدام حسين يحيط به صالون كان يستقبل فيه الضيوف ورغم بساطته الا ان أحداً من المشرفين على القبر قال ان هذا المكتب شهد اجتماعات هامة بقيادات عراقية كبيرة في أحد منازل القرية قبل ان تدخل القوات الأميركية الى بغداد وتواصل انتشارها في باقي مناطق العراق ومنها تكريت.

وروى هذا الشخص - الذي رفض ذكر اسمه خشية الملاحقة - ان المكتب وصالون الاستقبال المتواضع كان في أحد البيوت العادية من القرية وليس أحد القصور ولهذا كان بعيدا عن التوقعات في ان يكون صدام وقادته بداخله يعقدون اجتماعات أو يديرون المعارك وتم جلبه بعد تعرض معظم قصور صدام للقصف من جانب القوات الأميركية، ثم تعرض معظم مقتنياتها للنهب والضياع، أما الغرفة الأخرى فتضم احدى غرف النوم التي كان يستخدمها صدام حسين وتم جلبها من أحد القصور التي تعرضت للقصف والنهب أيضا وقد وضع القائمون على المكان علم العراق فوق السرير .

ويؤكد القائمون على المكان ان الكثير من الوثائق والمتعلقات الشخصية - التي تعتبر ثروة للباحثين - تم اخفاؤها أو التخلص منها بعد دخول القوات الأميركية الى محافظة صلاح الدين وحتى قبل ان يسقط صدام حسين في قبضتها بدافع الخوف من سقوطها في قبضة القوات الأميركية فتكون دليلا على علاقة من يقتنيها بصاحبها (صدام) أو الرغبة في الاحتفاظ بها كشواهد ربما يكون ثمنها باهظا ذات يوم.

سيف ذو الفقار

يقودك المشرفون على المكان الى قاعة كبيرة تمتد على جوانبها صور صدام حسين وولديه عدي وقصي وحفيده مصطفى بينما تنتشر بعض أغراضه الشخصية ومنها أحد السيوف الذي كان يحرص على الاحتفاظ به ويسمى سيف «ذو الفقار» الذي ينتهي بمقبض معدني وله نصلان في المقدمة ويزن حوالي 20 كيلوغراما حيث أوضح أحد المرافقين ان هذه القاعة الكبيرة كانت مضيفا يستقبل فيه صدام شيوخ العشائر أو المواطنين الذين يأتون طلبا للعون والمساعدة. ووفق المصدر فان هذه القاعة هي التي شهدت الاجتماع العشائري المريب الذي تم خلاله اتخاذ القرار بتصفية حسين كامل زوج رغد ابنة صدام حسين وشقيقه صدام كامل زوج رنا بعد عودتهما من رحلة الهروب المرعبة التي كشف خلالها حسين كامل أسرار العراق النووية وحاول حشد قوى من المعارضة العراقية المقيمة بالأردن الا ان جهوده فشلت بسبب شكوك المعارضة فيه، وأنه ربما يكون أحد الجواسيس الذين أرسلهم صدام وما يقوم به ما هو الا تمثيلية مكشوفة وهو ما اضطره الى العودة بعد ان حصل على وعد بالأمان من جانب صدام بعدم التعرض له أو قتله الا ان قرار العشيرة كان هو القتل جزاء لما اعتبروه خيانة.

قتل حسين كامل

وكما تتعدد الروايات عن اعتقال صدام وكيف قضى أيامه الأخيرة قبل ان يسقط في قبضة القوات الأميركية تتعدد الروايات عن كل من يخصه من تفاصيل وأحداث ومنها قضية قتل حسين كامل وشقيقه بينما يؤكد القريبون من الأمر ان القضية عشائرية لم تكن لتكون نهايتها غير ما جرى باعتبار ان ما ارتكبه الشقيقان ما هو الا خروج عن تقاليد العشيرة والحكم فيهما يصدر بقانون العشيرة وليس الدولة. وتمرد حسين كامل على عمه وصهره صدام في سنة 1994 هو وزوجته وهربا الى الأردن في مشهد تابعه العالم كله، وقيل ان حسين أدلى بمعلومات مهمة عن أسرار نظام عمه وكان منها معلومات نووية، ولكن بعد فترة بعد انتشار الخبر قام صدام باصدار بيان عفو عن حسين كامل وابنته. وعاد حسين كامل الى العراق مع شقيقه صدام كامل وفي اليوم الثاني أرسلت دبابات الى منزل حسين كامل وقامت بهدمه الى الأرض وأعلن في العراق ان عشيرته هي التي قامت بتهديم المنزل.

نعود للقبر، ففي زاوية من الحديقة التي تضم القبر والقاعة الرئيسة التي تضم المقتنيات تقبع سبعة قبور أخرى لا يوحي مشهدها بأهمية أصحابها ولا يؤشر وضعها بهذه الصورة التي شاهدتها على الأحداث التي سبقت مجىء أصحابها اليها وما رافق حياتهم ومماتهم من قصص تحمل الكثير من الدراما لأشخاص حكموا وتحكموا تلاحقهم المسؤولية التاريخية والدينية عن الكثير مما جرى للبلاد والعباد .

قبر الكيماوي

يداهمك مشهد القبر الأول الذي لا يحمل شاهدا يدل على صاحبه وهو قبر علي حسن المجيد المشهور بلقب «علي الكيماوى» الذي تم اعدامه بعد صدور ثلاثة أحكام بالاعدام ضده في قضايا كان لها الكثير من الضجيج الاعلامي نظرا لمكانة الرجل ابان حكم صدام حسين وما يحتله من مواقع تتيح له الكثير من الصلاحيات والامكانيات الا ان قبره البسيط يجعل من يزوره يشعر بمرارة الصراعات وزهو الحكم الزائل وقيمة كل زخارف الدنيا التي لن يكون للانسان نصيب فيها غير حفرة مظلمة ورداء ليس له جيوب وقبر ربما لا يحمل شاهدا باسمه. تصطف بجوار القبر الذي لا يحمل شاهدا ستة قبور أخرى لأشخاص ملأوا الدنيا ضجيجا وطالما احتلت صورهم صدر صفحات الجرائد والمجلات سواء ابان تولي صدام حسين السلطة أو حتى بعد سقوط نظامه عند دخول القوات الأميركية على قلب بغداد في 9 أبريل عام 2003 وما تلا ذلك من وقائع ستظل تفاصيلها والكثير من أسرارها في ذمة التاريخ وربما لا تخرج عن حدود قبور أصحابها .

تقول الشواهد التي تتقدم القبور الثلاثة الأولى أنها تخص كلا من عدي وقصي صدام حسين ومصطفى ابن قصي الذين كان مقتلهم بحد ذاته واقعة غريبة تغلفها الكثير من الخفايا عن حقيقة الايقاع بهم وكيف واجهوا الموت وكيف جرى التعرف اليهم وترميم جثثهم لتبدو أمام الجميع حقيقة واقعة بان عصر صدام حسين انتهى.

دار صدام نهاية لأولاده

تتعدد الروايات عن الواشي والدليل وأين ذهب وكم تلقى من ثمن نظير الوشاية ولماذا اختار صدام حسين شخصيا داره لتكون مخبأ النهاية لأولاده وكيف قادهم بنفسه الى الرجل الذى وشى بهم بعد وصولهم بحوالي ساعة فقط الى داره حاملين مئات الملايين من الدولارات والكثير من الأسرار للدولة المتهاوية والكثير من الثقة في صاحب الدار الذي ربما أراد بالابلاغ عنهم دفع أذى الأميركيين عنه. فيما تشير الشواهد الثلاثة الأخرى الى أنها قبور كل من طه ياسين رمضان الذي كان نائبا للرئيس العراقي صدام حسين وبرزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام والذي شهدت عملية اعدامه حادثة فريدة أثارت الكثير من الجدل وهي انفصال رأسه عن جسده ما فتح الباب واسعا لروايات عن اعدامه ذبحا وليس شنقا انتقاما منه، وكذلك عواد حمد البندر وهو القاضي الذي حكم بالاعدام على منفذي محاولة اغتيال صدام حسين في الدجيل عام 1982 وهو والد المحامي الذي أوصى صدام حسين بان يعود اليه المصحف الذي رافقه طوال محاكمته الى ما قبل اعدامه . وفي ذكرى اعدامه، يزور العشرات من تكريت والعوجة والمتهمون قبر صدام حسين ، فيما تقوم عشيرة البيجات بالاستعدادات لاستقبال الزوار والضيوف بما يشبه الطقس الاحتفالي السنوي. ويقول القائمون على القبر وهم من البيجات، ان أعداد الزوار تتكثف في ذكرى اعدامه (في 30 ديسمبر) عن بقية شهور السنة ويحرص الزوار على اصطحاب الصور التذكارية والتوقيع بدفتر الزوار .
... وفي غرفة نوم الطاغية المخلوع

سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (3-20) يكتاتور عاد إلى منطقه الثأري حين تأكد من موته: «دمي برقبة الدوريين»

سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (3-20)
الديكتاتور عاد إلى منطقه الثأري حين تأكد من موته: «دمي برقبة الدوريين»
في حضن الأنشوطة.. مهاترات نهائية ورعب لحظة الحقيقة والهاوية
محمود الشناوي
readers 180
تصغير الخط تكبير الخط
خبراء الأدلة الجنائية الأميركيون «يبصمون الديكتاتور المخلوع بعد أعتقاله» (أرشيف)
في ليلة وقفة عيدالأضحى المبارك من عام 2006 كان صدام حسين يشعر بنهاية أجله، وأن الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي لن تؤجل إعدامه أبداً صباح يوم العيد.. كانت بغداد تتهيأ فيما يبدو لإعدام الرجل ذي القبضة الحديدية، والذي كان مجرد ذكر اسمه بسوء لمدة أكثر من ثلاثين عاماً يعني الهلاك الحتمي، لكن قرية العوجة في تكريت حيث عشيرة البيجات التي ينتمي إليها صدام تنتظر الثأر ليس من الأميركيين أو الحكومة العراقية أوالمعارضين الذين أقصاهم صدام في المنافي طيلة فترة حكمه، لكن من الذي سلمه للأميركيين وأرشد عنه حيث عاش صدام بعد سقوط نظامه في عام 2003 في تكريت إلى أن تم القبض عليه ومحاكمته وإعدامه.

ساعات مرت طويلة على صدام حسين في محبسه بمعسكر أميركي في مطار بغداد انتظاراً لتسليمه للحكومة العراقية ليلة وقفة عيد الأضحى المبارك قبل أن يطلب من سجانيه لقاء أخويه غير الشقيقين وطبان وسبعاوي ليس لوداعهما كما اعتقد السجّانون، وإنما ليقينه بأن عشيرته ستطلب الثأر ممن سلموه وعليه أن يفصح عن اسم من سلمه قبل موته وهو السر الذي ظل محتفظاً به طيلة فترة محاكمته ولم يسأله أحد عنه وكان الاختيار بين اثنين يعتقد أنهما ضالعان في تسليمه للأميركيين أحدهما صاحب المزرعة التي كان يختبئ فيها صدام والآخر أحد مرافقيه.. تلك التفاصيل وغيرها كشفتها الزيارة إلى قرية العوجة في تكريت حيث يرقد صدام وأبناؤه ورموز نظامه.

يقول قصي أحد اقارب صدام حسين من عشيرة البيجات إن صدام لم يكن خلال الساعات الأخيرة لإعدامه يشعر أبداً أن في الأمر موت أو نهاية وإنما بداية جديدة في مكان آخر لكنه يختلف عن حياة القصور والسلطة التي ودعها بعد انهيار نظامه في العام 2003.

ويضيف قصي الذي رفض الإفصاح عن اسمه كاملا خشية الملاحقة أن «السيد الرئيس»، كما يصفونه دائما عند الحديث عنه، كان يشعر أحياناً بالارتعاد من اقتراب لحظة الأجل، لكنه كان يشعر من حوله بالثبات والصمود.

لقاء نادر

ويتابع «ودّع صدام أخويه غير الشقيقين وطبان وسبعاوي تمهيدا لإعدامه بعد أن يتم تسليمه أولاً إلى الحكومة العراقية وكان ذلك يوم الخميس في لقاء نادر بالسجن وأخبرهما بأنه سعيد لأنه سيلقى حتفه على أيدي أعدائه، ويصبح شهيداً، لا مجرد أن يقاسي عناء السجن».

ويشير قصي إلى أن صدام أعطاهما رسائل إلى عائلته كما سلمهما «رسالة وداعية» أعلن فيها قبوله بـ «الشهادة» وحث الشعب العراقي على الوحدة، وقال إنه يقدم نفسه فداء له. «فإذا أراد الرحمن هذا صعد به إلى حيث يأمر سبحانه مع الصدّيقين والشهداء.. وأن أجّلَ قراره على وفق ما يرى فهو الرحمن الرحيم وهو الذي أنشأنا ونحن إليه راجعون، فصبر جميل وبه المستعان على القوم الظالمين».كما حث صدام، بحسب ما قاله قصي نقلاً عن سبعاوي ووطبان الشعب العراقي- المتنوع طائفيا وعرقيا- على أن يصبحوا نموذجاً للحب والتسامح والتعايش وانتقد كلاً من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وقال «في ظل عظمة الباري سبحانه ورعايته لكم... ومنها أن تتذكروا ان الله يَسّر لكم ألوان خصوصيّاتكم لتكونوا فيها نموذجاً يَحتذى بالمحبة والعفو والتسامح والتعايش الأخوي فيما بينكم».

وقال قصي إن سبعاوي نقل لعشيرة البيجات عن صدام حسين عندما كان يودعه، السر الذي يتعلق بالشخص الذى يعتقد الرئيس السابق أنه المسؤول عن سقوطه في قبضة القوات الأميركية.

«طلايب» دم!

وأوضح أن سبب تمسك صدام بالإفصاح عن هذا السر وكذلك اهتمام سبعاوي بنقله يعود إلى العرف العشائري حيث إن مثل هذه الأمور يكون فيها «طلايب دم» بمعنى الثأر من الشخص المسؤول عن تسليمه..حيث يصبح الشخص الذي قام بتسليمه حسب المفاهيم العشائرية هناك هو القاتل الفعلي ومن هنا وجب االقصاص منه وهذا هو ما أدى إلى دخول عشيرة صدام (البيجات) في صراع مع عشائر أخرى.

ويقول قصي: استطاع سبعاوي إبراهيم حسن التكريتي وهو الأخ غير الشقيق للرئيس العراقي الراحل أن يوصل رسالة لكبار شيوخ عشيرة البيجات تتضمن تفاصيل الساعات الأخيرة قبل إعدام صدام مشيراً إلى أن سبعاوي أوضح خلال رسالته لشيوخ البيجات، أنه طلب من صدام أن يقول كلمته الأخيرة بشأن المسؤول عن تسليمه للأميركيين لأن القضية فيها «طلايب دم» حيث كان هناك اتهام لشخصين أولهما قيس النامق صاحب المزرعة التي تم اعتقال صدام في أحد سراديبها وشخص من مرافقي صدام يدعى محمد إبراهيم المسلط وكان من جماعة خير الله طلفاح، فالعقيد المسلط هو ابن عم ساجدة خير الله طلفاح عمر المسلط الزوجة الأولى لصدام حسين وأم ابنيه عدي وقصي وابن خالة صدام نفسه وأشيع أنه اضطر إلى كشف مكان اختفاء صدام حسين تحت ضغط أميركي وتهديد بهتك عرض بناته وزوجته .

ويضيف سبعاوي أن صدام قال له «أشبعت الكلاب وجوعت الذئاب» قبل أن يؤكد حقيقة الشخص الذى سلمه للأميركيين وهي كناية عمن تمتعوا بخيرات صدام أيام مجده وعزه.

اللعنات

ويتابع شقيق الطاغية الراحل: صدام قال لي «دمي برقبة الدوريين».. وهو بذلك نفى بذلك التهمة عن محمد إبراهيم المسلط.. وأكد أن من سلمه هو قيس النامق وطباخه ونسيبه.

ومع بدء شروق شمس يوم 30 ديسمبر من عام 2006، كان القاضي الكردي منير حداد، وهو نائب رئيس المحكمة الجنائية العراقية العليا وأحد القضاة السبعة الذين وقعوا على قرار إعدام صدام وكل من عواد البندر وبرزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام وجددوا العقوبة على طه ياسين رمضان من الحكم بالسجن المؤبد إلى الإعدام، بالإضافة إلى وزير العدل العراقي والمدعي العام منقذ آل فرعون بانتظار صدام حسين في غرفة مجاورة للغرفة التي أعدم فيها.

ففي قاعة الاستخبارات العسكرية العراقية السابقة (الشعبة الخامسة) التي كان صدام يوجّه منها الحرب ضد إيران (1980- 1988) وأصبحت الآن سجن «الحماية القصوى» في منطقة الكاظمية في العاصمة العراقية (بغداد) دخل صدام حسين مكبلاً بين سجانيه وهو يحمل نسخة من القرآن الكريم، وبحسب ما يروي القائمون على إعدامه أجلس صدام على كرسي وردد اللعنات على أميركا وإيران حيث كان يقاطع حداد الذي تلا عليه قرار إعدامه شنقاً حتى الموت ثم القرارالتمييزي من قضاة المحكمة العليا بتصديق حكم الإعدام ثم الأمر الديواني الموقع من رئيس الوزراء نوري المالكي.

ويقول الرواة في تكريت إن صدام كان يلعن الأميركيين والإيرانيين، في حين كان القاضي يردد على مسامعه مراسيم إعدامه، فيما حرص كل من حضر لحظات إعدامه لتأنيبه على الحروب التي شنها على إيران والكويت، وضياع الاقتصاد في تشييد القصور الخاصة.

ويضيفون: اصطحب منفذو الإعدام في صدام إياه إلى المشنقة وأثناء صعوده إليها طلب منه القاضي والمدعي العام قراءة وصيته فرد قائلاً إنه ليس له وصية بينما رفض وضع كيس الإعدام على رأسه.

فيلم وثائقي

وما يؤيد رواية أهل تكريت الحريصين على البقاء بالقرب من قبر صدام وعائلته شريط بثه موقع «يوتيوب» فور إعدام صدام وقد تم تصويره عبر هاتف محمول مزود بكاميرا ويعتقد على نطاق واسع أن من قام بتصويره وبثه شخص ينتمي لفرقة الإعدام يدعى علاء حيث يظهر من خلال هذا الشريط وهو يهتف باسم محمد باقر الصدر بلهجة أهل جنوب العراق، فيما يناديه الآخرون باسم علاء. ويظهر الفيلم قاعة بارتفاع ما يقرب من خمسة أمتار يوجد بها منصة على ارتفاع ثلاثة أمتار حيث قام المصور بالتصوير بالقرب من سلم حديدي على يسار القاعة يودي إلى المنصة حيث ظهر صدام حسين وقد قيدت يداه إلى الخلف ويوجد عدد من الرجال المقنعين بلباس مدني حوله .

ثم يصور الفيلم رفض صدام ارتداء الكيس الأسود لتغطية رأسه قبل لحظات الإعدام ثم قوله «يا الله» ثم تقدمه باتجاه المشنقة ووقوفه على المنصة بهدوء محاطاً بالحراس إلا أن أحد الحراس قام بلف الكيس الأسود على رقبته ومن ثم لف حبل الإعدام والأنشوطة على يسار صدام ثم سمع عدد من الحاضرين يرددون «اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، وعجل فرجه وأنصره على عدوه».

ثم صرخ أحدهم «مقتدى مقتدى مقتدى» فرد صدام عليه وقال «ها هي المرجلة» (وهي باللهجة العامية العراقية تعني هل هذه هي الرجولة؟) ثم سمع أحد الحاضرين يقول «إلى جهنم» وهتف آخر «عاش محمد باقر الصدر» ومن جانبه، تجاهل صدام الصياح وردد «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله»، فقال آخر ويعتقد أنه المدعي العام منقذ آل فرعون «يا إخوان أرجوكم الرجل في إعدام، أرجوكم».

وأكمل بعض المجتمعين بهتافات مشابهة وقام أحد الحراس فطلب من صدام إعادة الشهادتين وما إن أعاد صدام تكرار الشهادتين حتى سمع صوت يعتقد أنه صوت فتح البوابة الحديدية تحت أقدام صدام وهو يسقط في حفرة الإعدام ثم سمع صوت أحد الحضور يصيح «اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد». وصرخ آخر «سقط الطاغية لعنة الله عليه».وساد الصياح والهتاف في القاعة وسمع كلمات ليست عربية يعتقد أنها فارسية. ثم ظهرت صورة صدام وهو معلق وهو ينظر إلى الأعلى.

وعلى الرغم من أن الأميركيين منعوا اصطحاب الهواتف المحمولة مع أي ممن حضروا وقائع إعدام صدام مهما كان الشخص مسؤولا ومهما كان مستواه السياسي رفيعا وعلى الرغم من فتح تحقيق فيمن صور شريط الفيديو أو من قاموا بالهتاف أو السباب ضد صدام في غرفة الإعدام إلا أن التحقيق لم يظهر على وجه التحديد من المسؤول عن تلك الأعمال .

لكن المصادر القضائية المكلفة بتلك التحقيقات أكدت أن الفيلم صور من خلال كاميرا هاتف محمول يملكه مسؤول رفيع المستوى بين من حضروا تنفيذ الإعدام في الوقت الذى لم يتم فيه الإعلان رسمياً عن أن أياً من المسؤولين ذوي المقام الرفيع حضروا وقائع إعدام صدام.. باستثناء موفق الربيعي مستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن القومي في العراق وقتها.

بعد الإعدام

لكن القاضي حداد كشف فيمابعد عن أن صادق الركابي المستشارالسياسي لرئيس الوزراء حضر وقائع الإعدام بقوله «بعد إعدام صدام طلبت لفافة تبغ من الركابي لأدخن ففتح علبة السجائر ووجد فيها سيجارة واحدة من ماركة «لايك سترايك» فأعطاني إياها فرفضت، أحسست أن الدنيا لا تساوي شيئا وقلت للركابي في حينها هذا صدام الذي كان الناس يخشون ذكر اسمه. هو الشخص نفسه المعلق الآن في حبل المشنقة».ويضيف «كنا 14 شخصاً من المسؤولين عن تنفيذ الحكم وحين تم الشنق فحص الطبيب جثمان صدام وتأكد من موته، ثم قمنا بتوقيع محضر تنفيذ الحكم ووقعت عليه أنا والمدعي العام وممثل رئيس الوزراء والطبيب، ورئيس السجن». ويتابع قائلا: خارج القاعة كانت تنتظرنا مروحيتان، أقلت كل منهما 7 أشخاص. فتجنبت المروحية التي أقلت جثمان صدام حسين مع فريق الـ 7 أشخاص الآخرين. وهبطت المروحيتان في المنطقة الخضراء حيث كانت تنتظر المروحية التي نقلت جثمان صدام إحدى سيارات الإسعاف وقام الرجال الذين يستقلون تلك السيارة بنقل جثمان صدام إلى منزل مجاور لمنزل رئيس الوزراء.

ويقول شهود عيان على عملية نقل جثمان صدام حسين إن المدعي العام لمحكمة الدجيل، والذي رأس هيئة الادعاء العام في قضية الأنفال وكان مكلفاً بنقل جثمان صدام من مكان إعدامه في الكاظمية إلى المنطقة الخضراء شوهد محمولا على الأكتاف بعد خروجه من بناية رئاسة الوزراء قبل أن تمر التظاهرة أمام مبنى رئاسة الوزراء، وينقل جثمان صدام إلى سيارة الإسعاف بعد نحو ساعة من إعدامه وقد لف بقماش أبيض.

أفراح وتظاهرات

وسمع في شريط فيديو صوت أحد الأشخاص الأربعة في داخل سيارة الإسعاف التي تقل جثمان صدام يطلب من الطبيب المشرف على الجثمان بالقدوم منبها على ضرورة الحصول على نسخة من الشريط كما يحث ملتقط الفيديو على الإسراع في عملية التصوير.

كما شوهد بحسب شهود العيان عدد من المتظاهرين يرقبون الجثمان من خلال شباك سيارة الإسعاف واقترب مصور الفيديو من الجثمان بعد كشف وجه صدام حسين الذي بدت آثار خدوش واضحة على خده الأيسر، كما ظهر جرح قطعي في رقبته وآثار دماء بجوار فمه، وهو ما نتج عن عملية الإعدام. لكن المدعي العام ال فرعون قال، فيما بعد إن مشاركته في الاحتفال وسط المنطقة الخضراء في بغداد بعد إعدام صدام حسين والذي بث في شريط مصور على مواقع إلكترونية «كانت عفوية ولم يتم الإعداد لها سلفاً».
وثيقة استلام جثة

سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (2-20) الرحلة الأخيرة برعاية الـ «أواكس».. 30 عاماً من الظلم «في حفرة بائسة»

سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (2-20)
الرحلة الأخيرة برعاية الـ «أواكس».. 30 عاماً من الظلم «في حفرة بائسة»
صالة الضيافة الرئاسية.. قبر بأرضية مكسرة ولا مهنئين بالعيد
محمود الشناوي
readers 337
تصغير الخط تكبير الخط
قبر الطاغية في تكريت (أرشيف)
شكل اعدام طاغية العراق السابق صدام حسن نهاية مرحلة مريرة من تاريخ العراق والمنطقة برمتها أنتجت لنحو ثلاثة عقود ازدحمت فيها الحروب والمذابح العرقية والطائفية فمن حرب طويلة مدمرة على ايران الى غزو كارثي للكويت الى حملات ابادة عرقية ضد الاكراد وطائفية لم تستثن احدا من اهل العراق الى احتلال اميركي أورث تمزيقا ودمارا كانت سيرة رجل واحد ارتبط كل هذا وغيره باسمه هي الرابط الاساسي للفجائع المتوالية في منطقة أعيد تشكيل الواقع الجيوسياسي فيها مرارا وكانت نهايته هي الفصل الاخير لحقبة الدم والعذاب لكنها ايضا كانت بداية لفصول دموية من نوع آخر مازالت بلاد السواد تعاني للخروج من وطأتها الثقيلة.

وفي هذا الكتاب «سقوط الامبراطورية والديكتاتور» يروي الكاتب الصحافي المصري محمود الشناوي يوميات ومشاهدات في عراق ما بعد صدام حسين انطلاقا من اسرار اللحظات الاخيرة في حياة الطاغية ومفاوضات نقل جثته ودفنه العسيرة وواقع الحال في تكريت حيث انتهى الى قبره البسيط في تحدي قصوره التي تكاد لا تحصى لينتقل الى سرد مفصل حول حياة العراقيين تحت رحمة الميلشيات المسلحة ودولة «القاعدة» وصروف غريبة من الفساد والفوضى تركت العباد تحت رحمة أمزجة لا تعرف سوى القتل حلا لأي مسألة تعترضها، و«النهار» تنشر على مدى 20 حلقة رحلة الكاتب في «أرض النار» حيث صورة العراق المتحولة بأثر ارث الطاغية ووجود الاحتلال والأجندات الغريبة التي تناهبت واقعه وربما مستقبله. امتدت ساعات التفاوض لاستلام جثمان صدام حسين بعد إعدامه بين طرفي المفاوضات، اللذين مثلهما على جانب وفد محافظة صلاح الدين الشيخ عبدالله حسين جبارة نائب محافظ صلاح الدين والمحافظ حمد الشكطي والشيخ علي الندا شيخ عشيرة البيجات التي ينتمي إليها صدام، وهم يريدون جلب الجثمان إلى تكريت مسقط الرئيس صدام ودفنه هناك خشية تدهور الأوضاع الأمنية أوغضب عشيرة الرئيس السابق أومن العراقيين السنة، أما الطرف الثاني فكان الحكومة العراقية ممثلة في عبدالكريم العنزي وزير شؤون الأمن الوطني آنذاك ود. محمد سلمان مستشار رئيس الوزراء، ود. طارق نجم مدير مكتبه، وهؤلاء يرغبون في دفن صدام في مكان سري حتى تهدأ الأوضاع الأمنية لأن نقل جثمانه علناً سيمثل خطورة ويؤثرعلى تلك الأوضاع بالسلب،ومن الخارج كان الأميركيون يتابعون الموقف، خاصة السيدة ستيفانى مايلو ممثلة السفارة الأميركية في صلاح الدين وكانت واشنطن ممثلة في أعلى مستويات الإدارة الأميركية تتلقى أولاً بأول ما توصل إليه المفاوضون

وقد أكد علي الندا شيخ قبيلة البيجات الذي قتله تنظيم «القاعدة» فيما بعد خلال التفاوض ان دفن صدام في تكريت أفضل من أي مكان آخر وأقسم قائلاً إنه إذا امتدت يد أي شخص إلى الإضرار بإحدى دوائر الدولة «فسيشحطه» بالشارع وقال إنه لو تسلم جثمان صدام حسين فسيصدر بيانا يشيد بالحكومة اما إذا رفضت الحكومة ذلك فسيعود الوفد الى تكريت ليعلن ذلك، ويخلي مسؤوليته من أي شيء قد يحدث.

الساعات الطويلة

ويقول شهود المفاوضات إن العنزي وزير شؤون الامن الوطني في ذلك الحين اصطحب كلا من د. سلمان مستشار رئيس الوزراء ود. طارق مدير مكتبه وذهبوا إلى رئيس الوزراء نوري المالكي للتشاور معه بينما أدى وفد صلاح الدين صلاة العشاء جماعة في المسجد. فيما يقول عبدالله جبارة نائب محافظ صلاح الدين: عاد العنزي بعدها هو ومن معه ليخبرونا بأن رئيس الوزراء وافق على تسليم الجثمان على أن يجرى الدفن ليلاً في تكريت بشرط أن تبتعد الحكومة وتكون غير مسؤولة عن عملية نقل الجثمان إلى حيث مكان الدفن. ويضيف:وافقنا جميعاً نحن وفد صلاح الدين لأننا نعلم أنه لا يمكن نقل الجثمان بالسيارات إلى تكريت حيث لن نصل أبدا بسبب انتشار فرق الموت والمجموعات المسلحة التي تسيطر على الطرقات.. والذين كان يمكنهم نسف الموكب إذا ماسار علناً.

المسلحون بانتظار الموكب

ويتابع جبارة: كما أنني علمت بوجود مسلحين ينتظرون موكبنا على الطريق داخل وخارج بغداد ومنهم عناصر من تنظيم «القاعدة» لأن أخبارذهاب الوفد إلى بغداد لتسلم جثمان صدام كانت قد انتشرت عبر وسائل الإعلام والناس ينتظرون ما سيحدث. ويشير جبارة إلى أنه أخبرهم بطلبه مساعدة القوات الأميركية في نقل الجثمان.. فإذا ماقوبل الطلب بالرفض.. فستجري الموافقة على الدفن في مكان سري مع الإعلان أن الوفد لم يتمكن من نقل الجثمان لأسباب أمنية. وهناذهب وفد الحكومة مرة أخرى إلى رئيس الوزراء وعاد رجاله ليأتوا بالموافقة . وعندها- كما يقول جبارة- طلبنا السماح بالذهاب إلى مكان الطائرة التي جاءت بنا من تكريت حيث ينتظرنا نائب أمر اللواء الأميركي العقيد ادموند في قاعدة جوية بجانب مقر رئاسة الوزراء وعندما طلبت منه المساعدة قال إنه سوف يتصل بقيادة القوات الجوية الأميركية لأنه ليس مصرحا له بإعطاء جواب على طلبي.. ولم يرحني أو يرضني رد العقيد ادموند ولذا اتصلت هاتفيا بالسيدة ستيفاني وطلبت المساعدة فأخبرتني أن موظفا كبيرا في السفارة الأميركية سيأتي للقائنا وطرح بعض الأسئلة حول المهمة المطلوبة.

المهمة الأميركية

ويقول جبارة في شهادته على الاحداث التي تلت اعدام صدام حسين : بعد 10 دقائق من الاتصال الهاتفي وصل المسؤول الأميركي أوموظف السفارة وسألني عن الدور الأميركي المطلوب في عملية نقل جثمان صدام، فأخبرته أنه لا يوجد أي دور أميركي مطلقا في كل هذه العملية عدا نقل جثمان صدام بالطائرة، فسألني: هل تطلبون تواجدا أميركيا وقت الدفن في تكريت مثلا، فرددنا عليه إننا لانريد أي ظهور للقوات الأميركية وقت الدفن فهذا الأمر بالغ الحرج وسيعقد الموقف، فسألني هل هذا العمل أفضل أمنيا (أي نقل جثمان صدام عبر طائرة أميركية)، فقلت له نعم وأنا المسؤول.

ويتابع قائلا: اتصل المسؤول الأميركي في وزارة الخارجية في واشنطن وعلمت أنه اتصل بوزيرة الخارجية الأميركية وقتها كوندوليزا رايس شخصياً حيث أبلغته بدورها بأنها ستنقل هذا للرئيس الأميركي حينئذ جورج بوش وبعدها أبلغته بأنها حصلت على موافقة الرئيس بوش ثم بعد 15 دقيقة جاءه الرد النهائي بالموافقة على نقل الجثمان بالطائرة .

ووفقا لشهود عيان على المفاوضات عاد وفد صلاح الدين من مكان الطائرة المنتظرة في قاعدة أميركية إلى مقر رئاسة الوزراء لإجراء مراسيم استلام الجثمان.

الكشف على الجثمان

يقول نائب محافظ صلاح الدين : طلبت من وفد الحكومة أن يجري الكشف على جثمان صدام حسين أمام عدسات التلفاز لنتعرف عليه حتى لا يقال إن الجثمان استبدل وفي الوقت نفسه أتأكد من عدم وجود علامات تعذيب على الجثمان كما أشيع وقتها على نطاق واسع لأنني لابد أن أرد على ما يمكن أن يشاع عن ذلك ثم بعدها نوقع وثيقة استلام الجثمان.

يضيف: جلبوا لنا عشاء خفيفا رغم أن الوقت كان غيرمناسب لتناول الطعام لكنهم أصروا على تقديم واجب الضيافة حتى يأتي الجثمان وبعدها وصل الجثمان فى صندوق خشبي داخل حوض سيارة تابعة للشرطة «بيك آب» ذات أربعة أبواب، ففتحت الكفن وتعرفنا على صدام وعاينت بنفسي الجثمان وشاهدت الآثار الموجودة عليه.

ويوضح أبو خالد شكل الجثمان قائلا: كان مغسلا ومكفناً وأكدوا لنا أنه تم إقامة الصلاة عليه في أحد المساجد في المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد. ويضيف:لاحظت أن الجثمان تميل رقبته إلى الجانب الأيمن بشكل أكثرمن الطبيعي وهناك بروز لعظم وجرح في رقبته في الجانب الأيسر وهناك خدش على خده الأيسرمن منتصف الخد باتجاه الأعلى نحو عينه. ويقول نائب محافظ صلاح الدين:سألناهم عن هذه العلامات فأكدوا لنا أن صدام حسين لم يتعرض للتعذيب وإن كان قد تشفى فيه كل من تعرض لظلم وتعذيب هذا الديكتاتور وزبانيته.

التعذيب والتشفي

ويقول: لا أعتقد أنا أيضاً أن صدام حسين تعرض للتعذيب وإنما نتيجة تنفيذ حكم الإعدام شنقا ووضع عقدة حبل الإعدام في الجانب الأيسر من الرقبة وليس إلى الخلف أو الأمام هو ما أدى إلى كسر الرقبة وكشط بشرة الوجه نتيجة سقوطه من أعلى إلى أسفل قبو حجرة الإعدام. ويؤكد أنه كان يجب وضع حبل الإعدام إلى الخلف أو إلى الأمام لكن تعقيد الحبل كما أبلغونا لم يكن يصلح إلى ربطه بالرقبة من الجانب الأيسر مؤكداً أنه ما عدا ذلك لم يجد لا هو ولا أي من أعضاء الوفد أي آثار تدل على تعذيب أو ضرب أو اعتداء على الجثمان كما أشيع. ويقول أبوخالد: وقعنا على وثيقة استلام الجثمان أنا والمحافظ والشيخ الندا ورافقت الجثمان إلى حيث تقف الطائرة بالقاعدة الجوية ووضعناه مكان المقاعد الخلفية بعد أن طويت كفن الرئيس وربطنا التابوت بإحكام، إلا أن الطائرة لم تتحرك إلا بعد حوالي ساعة كاملة وتحديدا في الثانية والربع من صباح يوم 31 ديسمبر من عام 2006 باتجاه تكريت. ويتابع:أخبرني أحد الضباط الأميركيين المرافقين أن سبب التأخير هو اتخاذ الاجراءات اللازمة لتأمين مظلة جوية وطائرة أواكس لحماية الموكب الجوي الذي ينقل صدام حسين إلى مثواه الأخير.

وكانت الرحلة من بغداد إلى محافظة صلاح الدين أو إلى مدينة تكريت ثم قرية العوجة، مسقط رأس صدام حسين طويلة بما يكفي حتى أنه تتابع برأسي ورأس الوفد المحافظ والشيخ الندا أفكار عديدة.. من بانتظارنا من عشيرة صدام (البيجات).. ماذا سيسألوننا.. بماذا نرد.. أسئلة لانهاية لها.. أفسدت علينا حتى فرحتنا بعودتنا سالمين بجثمان صدام وإنهاء المهمة التي وضعنا على عاتقنا تنفيذها بمجرد أن عرفنا بإعدام الرئيس السابق.. وكانت المفاوضات مع مسؤولي الحكومة قد أرهقتنا بالفعل. ويشير إلى الوصول لقاعدة «سبايكر» في محافظة صلاح الدين حيث كان ينتظرهم قائد شرطة صلاح الدين اللواء حمد نامس.. وكانت درجة الحرارة فى هذا التوقيت (2) تحت الصفر وهو ما أدى إلى إصابة أعضاء الوفد بنزلة برد حادة. ويقول: لكننا أصررنا على إنهاء المهمة كاملة وأمرنا بتحرك موكب الجثمان داخل سيارات إلى قرية «العوجة «بعد وضع جثمان الرئيس في إحدى سيارات الشرطة وكانت الساعة تمام الرابعة صباحاً (بتوقيت المحافظة وسط العراق) عند وصولنا إلى مكان دفن الجثمان.

أبناء البيجات

يقول شهود عيان: كان أبناء «البيجات» جميعهم في انتظار الوفد ووصول الجثمان.. كان الكثير منهم مذهولاً غير مصدق لما حدث ويحدث ولم يتوقع أحد منهم على ما يبدو أن ينجح الوفد في الظفر بجثمان ابن عشيرتهم صدام حسين. ويقول أبو خالد: أخبرناهم أن الجثمان مغسل ومكفن ومصلى عليه وقد طلبوا من أحد شيوخهم وهو الملا جمعة الدهيمة أن يتأكد من ذلك حيث أيد هذا الشيخ بدوره ما ذهبنا إليه بأن الجثمان مغسل ومكفن على الطريقة الإسلامية.

ويضيف: كانوا قد أعدوا لصدام حسين قبرا في قاعة المناسبات بالعوجة لكنهم طلبوا الصلاة على جثمانه مرة أخرى فصلينا على الجثمان وواريناه الثرى وقضينا ما تبقى من الليل في دارالمحافظ ودارت أحاديث مليئة بالشجون عن وضع العراق الحالي وعن صدام الذي تسبب فيما وصل الحال إليه فى العراق قاطبة.. وكان ما يعزز مشاعر القهر لدينا أن كل رؤساء العالم يخرجون إلى مثواهم الأخير معززين مكرمين فلماذا كتب على العراق أن يخرج رئيسه بهذه الطريقة. ويشير إلى أنه ألقى بيانا في الصباح عبر فضائية صلاح الدين شرح فيه ما جرى وشكر الحكومة ورئيسها وكل من ساعد وفد صلاح الدين في إتمام هذه المهمة فأقيمت مجالس العزاء في صلاح الدين ومناطق العراق وخلال أسبوع لم تشهد محافظة صلاح الدين أي حادث عنف.

أغراض صدام

وعن أغراض صدام حسين وماتبقى من متعلقاته يقول أبو خالد:كنا قد تسلمنا مع الصندوق الخشبي الذى يضم الجثمان الكيس الأسود الذي رفض صدام حسين ارتدائه لحظة الإعدام وكذلك الملابس التي ارتداها عند تنفيذ حكم الإعدام، والمصحف الذى رافقه خلال فترة سجنه وأوصى أن يسلم إلى المحامي بدر ابن قاضي الدجيل عواد البندر الذى تم إعدامه في 15/1/2007 ودفنه خارج القاعة التي أصبحت مقرا لقبر صدام حسين وظلت هذه الأشياء في حوزة كبير عشيرة البيجات علي الندا الذي قتله تنظيم القاعدة فيما بعد. ويقول أبو خالد إنه خضع لحالة من الزهد الشديد في الدنيا وما فيها بعد انتهاء تلك الأزمة ويوضح قائلا:عندما كان يجري أمام عيني عملية دفن الرجل الذى ملأ الدنيا ضجيجا وتعلقت بإشارة من يده مصائر ملايين البشر كنت أنا أدفن أي رغبة زاد الدنيا، لأنه لا شيء يستحق كل هذه الصراعات والعدوات والانكسارات والانتصارات، لا شيء يبقى إلا وجه الله، حيث تقول الحكمة التركية «إيها الإنسان لا تنس الموت.. فإنه لن ينساك».

القبر

ويقع قبر صدام حسين على مساحة متكسرة من الأرض وبقعة تكاد تكون بائسة بالنظر إلى طاغية حكم العراق حوالى 30 عاما وبالداخل قامت عائلة صدام حسين بدفن سبعة آخرين هم نجلاه عدي وقصي اللذان قتلاخلال مواجهة مع القوات الأميركية في الموصل عام 2003 وأعيد دفنهما بعد إعدام صدام وإلى جانبهما جثمان مصطفى نجل قصي الذي كان في الخامسة عشرة من عمره عندما قتل مع والده. كما دفن بالضريح أربعة من رموز نظام صدام الذين أعدموا شنقا بعده وفي الغرفة نفسها التي أعدم فيها صدام وهم: أخاه غير الشقيق برزان إبراهيم التكريتي والمدير السابق للشرطة السرية، وعواد البندر الرئيس السابق لمحكمة الثورة، وطه ياسين رمضان، النائب السابق لصدام وعلي حسن المجيد (علي الكيماوي) .

نبش قبر صدام

ولم تتوقف الإشاعات والأقاويل والحكايات عن صدام وخوارقه بعد الموت.. أشاع ذلك أناس ممن كانوا يمتون إليه بصلة قرابة أو جوار أو نسب كما لم تتوقف الإشاعات عن جثمانه بعد دفنه ولعل أقوى تلك الإشاعات هي ما قيل عن نبش القبر وإذا ما كان قد تم نقل الجثمان ودفنه في موقع آخر خوفا عليه أو العبث به من قبل الغاضبين منه.. إلا أن القصة الحقيقية لعملية إعادة فتح القبر رواها أحد أقاربه الذى طلب عدم كشف اسمه. يروي هذا القريب الذي يقوم على خدمة القبر الكائن في قرية العوجة مسقط رأس صدام حسين أن عملية الدفن جرت فجر يوم 31 ديسمبر عام 2006 في مكان كان صدام حسين يتخذه كمضيف يستقبل فيه المهنئين بالعيد أو من لهم مطالب من أهالي بلدته وعشيرته حيث تم خلع قطع رخام تغطي بهو المضيف الذي ترتفع فوقه قبة عالية ووضع الجثمان ثم تغطية المنطقة.

الماء يؤذيه

ويقول: بعد هذا التاريخ بستة أشهر جاء شخص من أهالي تكريت ليبلغنا أن «السيد الرئيس» زاره في المنام وقال له «أبلغ أعمامي أن الماء يؤذيني» بعدها قام القائمون على الضريح بإلغاء كل مصادرالمياه المؤدية إليه وبعد تلك الواقعة بثلاثة أيام جاء الشخص نفسه وكرر الكلام نفسه وبعد ثلاثة أيام أخرى جاء وكرر الكلام نفسه ووقف فوق قبر صدام وقال: «اللهم قد بلغت. اللهم فاشهد» ويضيف خادم القبر: بعد ذلك بيوم واحد جاء أحد أئمة المساجد في تكريت ويدعى الملا جمعة الدهيمة وروى الرؤية نفسها وكان لابد من اجتماع كبارالعشيرة (البيجات) لبحث فتح القبر وإخراج الجثمان منه، وبعد أن تمت الموافقة جرى إخراج الجثمان لنجد أن هناك عين ماء أسفله !ويتابع: بعد معالجة الأمر جرى تغسيل الجثمان وإعادة الصلاة عليه ليستقر فى موضعه منذ هذا الحين.. تحت رعاية بعض أفراد العشيرة ويتوافد الناس على زيارته وقراءة الفاتحة لسبعة شواهد من القبور.

شواهد القبور

وقد كتب على قبور ابنيه عدي: «إن وعد الله حق.. قبر الشهيد المجاهد عدي صدام حسين استشهد بتاريخ 22/7/2003» وقصي: «لكل أجل كتاب.. قبرالشهيد المجاهد قصي صدام حسين استشهد بتاريخ 22/ 7/ 2003» كما كتب على قبر نجل قصي مصطفى: «إن وعد الله حق.. قبر الشهيد المجاهد مصطفى قصى صدام حسين استشهد بتاريخ 22/7 / 2003» أما بقية القبور فكتب على شواهدها أسماء أصحابها فقط دون أى إضافات: عواد البندر قاضي محكمة الدجيل.. برزان إبراهيم التكريتي.. طه ياسين.. علي حسن المجيد. ويبدو انه حتى الأموات الراقدين تحت الثرى بجانب رفات صدام حسين.. فئات وطبقات.
قرار المالكي بإعدام صدام استناداً إلى حكم قضائي

سقو\ الإمبراطورية و الديكتاتور (1-20)

سقو\ الإمبراطورية و الديكتاتور (1-20)
مفاوضات عسيرة قبل الدفن.. ومخاوف من إشاعات بقائه حياً أنهت توتر بغداد - تكريت
إعدام الديكتاتور.. مفاجأة يتوقعها الجميع وسيناريو الرعب الافتراضي
محمود الشناوي
readers 327
تصغير الخط تكبير الخط
الطاغية المخلوع بعد اعتقاله في «حفرة الجرذان»
شكل اعدام طاغية العراق السابق صدام حسن نهاية مرحلة مريرة من تاريخ العراق والمنطقة برمتها أنتجت لنحو ثلاثة عقود ازدحمت فيها الحروب والمذابح العرقية والطائفية فمن حرب طويلة مدمرة على ايران الى غزو كارثي للكويت الى حملات ابادة عرقية ضد الاكراد وطائفية لم تستثن احدا من اهل العراق الى احتلال اميركي أورث تمزيقا ودمارا كانت سيرة رجل واحد ارتبط كل هذا وغيره باسمه هي الرابط الاساسي للفجائع المتوالية في منطقة أعيد تشكيل الواقع الجيوسياسي فيها مرارا وكانت نهايته هي الفصل الاخير لحقبة الدم والعذاب لكنها ايضا كانت بداية لفصول دموية من نوع آخر مازالت بلاد السواد تعاني للخروج من وطأتها الثقيلة.

وفي هذا الكتاب «سقوط الامبراطورية والديكتاتور» يروي الكاتب الصحافي المصري محمود الشناوي يوميات ومشاهدات في عراق ما بعد صدام حسين انطلاقا من اسرار اللحظات الاخيرة في حياة الطاغية ومفاوضات نقل جثته ودفنه العسيرة وواقع الحال في تكريت حيث انتهى الى قبره البسيط في تحدي قصوره التي تكاد لا تحصى لينتقل الى سرد مفصل حول حياة العراقيين تحت رحمة الميلشيات المسلحة ودولة «القاعدة» وصروف غريبة من الفساد والفوضى تركت العباد تحت رحمة أمزجة لا تعرف سوى القتل حلا لأي مسألة تعترضها، و«النهار» تنشر على مدى 20 حلقة رحلة الكاتب في «أرض النار» حيث صورة العراق المتحولة بأثر ارث الطاغية ووجود الاحتلال والأجندات الغريبة التي تناهبت واقعه وربما مستقبله. في السادسة الا خمس دقائق (بتوقيت بغداد) من صباح يوم السبت، الثلاثين من ديسمبر عام 2006 الموافق العاشر من ذي الحجة جاء صوت مراسل قناة « الحرة عراق» عمر محمد عبر الهاتف ليؤكد تنفيذ حكم الاعدام شنقا في صدام حسين بعد ليلة طويلة انتظارا للخبر الذي احتل شاشات وصفحات الجرائد في العالم وقد بات الآن بالنسبة لي خبرا مؤكداً أي اعدامه - بعد ترقب لا آخر له لتصريحات المسؤولين العراقيين ليلة وقفة عيد الأضحى (الجمعة).

كانت ليلة عيد الأضحى طويلة بما يكفي لم يقطعها أو يمرر وقتها سوى تصريح من مسؤولين هنا وهناك عن استعداداهم لتنفيذ الحكم التاريخي باعدام الديكتاتور.. لكن هل يمكن ان يتم اعدامه في صباح عيد الأضحى المبارك؟.. بات هذا سؤال الصحافيين والسياسيين ورجل الشارع.. البعض يتشكك في امكانية حدوث ذلك لتخوفات من مخاطر أمنية قد تحدث في محافظة تكريت حيث مسقط رأس صدام لكن آخرين أرادوا ان يكون العيد عيدين والأضحية أضحيتين وبين الجانبين ظل الجميع يحاول الوصول الى الحقيقة .

استعدادات الإعدام

قال مسؤول بارز بوزارة العدل وقال مسؤول رفيع المستوى فضَّل عدم الكشف عن هويته «نحن مستعدون» وأكد القاضي في محكمة التمييز منير حداد، الذي أشرف على عملية الاعدام، استعداد السلطات العراقية لعملية الاعدام ، بل وأضاف «كل الاجراءات تم اتخاذها.. أنا جاهز للحضور ولا يوجد سبب للتأجيل». لكن كل الأعين كانت مصوبة باتجاه المنطقة الخضراء وتحديداً مكتب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي انتظاراً لموعد تنفيذ الحكم بالضبط بلا أي جدوى حيث لم يصرح المالكي بشيء، وان سرّب حلفاؤه السياسيون والمقربون ان الحكم لن يتأخر وسيتم في صباح أول أيام عيد الأضحى والرجل نفسه أطلق تصريحاً شهيراً في التلفيزيون العراقي ليل الجمعة السبت، قال فيه «لا رجعة في الحكم ولا تأخير في تنفيذه» ومن هنا لم تنم لا تكريت ولا بغداد ولا أي مدينة عراقية .

حالة غموض

وزاد غموض الموقف الساعات التي تلت تنفيذ حكم الاعدام، خاصة مفاوضات الساعات الأخيرة التي سبقت دفنه وصراع الارادات السياسية بين من يريد طمس قبر الديكتاتور الى حين، ومن يريد الفوز بجثمانه لاعادة الانتقام من جديد، ومن يريد اقتناص فرصة للثراء اذا ما باع الجثة لأعدائه من العراقيين أنفسهم الذين انتظروا كثيرا انتهاء عصر جمهورية الخوف التي أسسها صدام على مدى فترة حكمه للعراق داخليا وخارجيا، وبين من يرى ان صدام ليس شخصاً عادياً وانما هو رمز لدولة العراق، وأنه يجب ان يتم دفنه بشكل يليق برئيس جمهورية سابق أو على الأقل دفنه بكرامة في مسقط رأسه كما أوصى، وبين من يريد ان يتم دفنه بشكل عادي يحمل بعض اللياقة برجل كتب بعض سطور التاريخ بقراراته وحروبه وصداقاته وعداواته حتى تنتهي أسطورة الخوف بهدوء ويغلق باب ردود الفعل التي تسكب الزيت على نار العراق المحترق بفعل الفتنة الطائفية التي تأكل أبناءه من سنة وشيعة.

خيوط اللعبة

هناك رجل واحد كانت عنده خيوط اللعبة.. يعرف حدود التفاوض..مخاطر الانتظار بلا قرار.. مكامن الخطر في تعثر سير المفاوضات .. مكامن القوة لدى الكارهين ومكامن القوة لدى المطالبين بالرحمة..سيناريوهات الرعب التي تنتظر البلاد والعباد اذا جرى ما يسوء بسبب اغفال أي احتمال في عملية تسلم الجثة ونقلها ودفنها.. هوعبد الله حسين جبارة الجبوري نائب محافظ صلاح الدين وقت الأزمة وكان ضابطاً سابقاً في الجيش العراقي يتحدث اللغة الانكليزية بطلاقة وله امتداد عشائري وعائلي عريق ويحكم محافظة صلاح الدين فعليا منذ ان أسند اليه محافظها الأسبق اللواء حسين جاسم جبارة مهام التنسيق مع القوات الأميركية عندما تولى منصبه كأول محافظ لصلاح الدين عقب الاحتلال الأميركي كما يرتبط بعلاقات طيبة مع العراقيين والأميركيين على حد سواء ليس فقط لوضعه العشائري، وانما لأنه رجل من هذا الصنف الذي يحتاج اليه أي حكم رشيد حتى ينجح في ادارة شؤون البلاد والعباد .

وفد صلاح الدين

ويروي أبو خالد كما ينادونه في بلدته «العلم» في سهرة ربيعية على ضفاف نهر دجلة وعلى مدى حوالي خمس ساعات ما جرى وكيف سارت الأمور في لحظة تاريخية فارقة كان يمكن ان تقلب الأوضاع في عراق يحترق وتحيل أرضه السواد الى حرائق لا يسكت لهيبها أبدا حيث يقول «عندما صدر الحكم باعدام صدام حسين وتمت المصادقة عليه كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لنا حيث كنا نتوقع ان يتم تأجيل التنفيذ نظرا لخطورة الأمر وتأثيره الكارثي على الأوضاع بالبلاد خلال تلك الفترة من عام 2006 الا ان الأمور كانت تسير الى جهة تنفيذ الحكم لا محالة ولهذا سافرت الى بغداد بصحبة محافظ صلاح الدين حمد الشكطي ترافقنا السيدة ستيفاني مايلو ممثلة السفارة الأميركية في صلاح الدين التي كان لها دور كبير في انجاز المهمة حيث طلبت منها تحديد موعد مع قائد القوات الأميركية في العراق والسفير الأميركي ومايمكن من مسؤولين عراقيين لمناقشة التطورات والسيناريوهات التي يمكن ان تحدث في حالة تنفيذ الحكم باعدام صدام حسين. ويضيف «وبالفعل غادرنا على متن طائرة هليكوبتر أميركية مساء الأربعاء 27 / 12 / 2006 لنبيت في فندق الرشيد داخل المنطقة الخضراء والتقينا السفير الأميركي وقائد القوات الأميركية صباح اليوم التالي وتحدثت اليهما عن انعكاسات تنفيذ حكم الاعدام على الوضع الأمني بشكل خاص وعلى الوضع العراقي بشكل عام..طرحت العديد من النقاط وطلبت عدم تنفيذ حكم الاعدام في الوقت الراهن لأسباب عديدة أهمها تدهور الوضع الأمني».

هواجس وتصورات

ويقول أيضا «بعد لقاء المسؤولين الأميركيين التقيت نائب الرئيس السني الدكتور طارق الهاشمي الذي يرأس الحزب الاسلامي وصاحب النفوذ الواسع في محافظة صلاح الدين وطرحت النقاط والهواجس نفسها والتصورات بالاضافة الى أفكارنا حول الموضوع، وعدنا بالطائرة الاميركية مساء اليوم نفسه (الخميس) حتى نجهز لاحتفالات عيد الاضحى التي كانت ستحل يوم السبت 30/ 12/2006، وبينما كنت أؤدي صلاة العيد في المسجد وبعد انتهاء خطبة العيد جاء أخي محمد وأخبرني بأنه جرى تنفيذ حكم الاعدام في صدام حسين خرجت مسرعاً من المسجد واتصلت بالمحافظ الذي أخبرني بأنه يحاول الاتصال بي منذ فترة بعد ان أبلغته رئاسة الوزراء بأنه تم تنفيذ الحكم طالبين الحضور للمشاركة في دفن جثمان صدام حسين في مكان سري ببغداد حتى يأتي وقت مناسب للاعلان عن المكان أو نقله للدفن في مكان آخر وأنه جهز موكبه وأفراد حمايته للسفر الى بغداد ويريد معرفة رأيي.

ويقول أبو خالد: قلت للمحافظ ان صدام حسين أعدم ولكن علينا ان نحاول جلب جثمانه الى مسقط رأسه في تكريت ودفنه باحترام، لأنه رئيس دولة سابق لمدة أكثر من 30 عاماً وطلبت من المحافظ الاتصال برئاسة الوزراء واخبارهم بان وفدا سيضمني الى جانب شيخ عشيرة البيجات علي الندا سيذهب الى بغداد بصحبة المحافظ لاستلام جثمان صدام حسين ودفنه في تكريت وفي حالة رفضهم ذلك نعتذر عن الذهاب لنكون شهودا على دفن صدام في مكان سري كما أرادوا.

رفض الحكومة

ويفسر أبو خالد طلبه هذا قائلاً: طلبت هذا الأمر ليس حبا في صدام حسين لأنني أعتبره مسؤولا عن كل ما جرى للعراق والعراقيين سابقا بسبب سياساته الخاطئة ولكنني كنت أخشى ان تقوم الميليشيات المسلحة أو تنظيم «القاعدة» بخطف الجثمان وبيعه لايران أو اسرائيل لكي يهان هناك وتقام عليه حفلات التشفي وتصبح وصمة عار في تاريخ العراقيين تستمر لعشرات بل ومئات السنين.. كنت أخشى ان يقول الايرانيون أو الاسرائيليون للعراقيين ويفتخرون بان صدام الذي حاربهم دفع الثمن باهظا.. وان هذا قبره تحت أقدامنا وهذا ما دعاني للاصرار على جلب جثمان صدام حسين ودفنه في تكريت تحت اشرافنا.. وقد أيدني المحافظ وقال سأتصل بك بعد ان أتصل بهم.. ثم عاد واتصل بي بعد قليل وقال أنهم يقولون «لا تفكروا بهذا الأمر مطلقا.. وقلت أنا بدوري لن نذهب مطلقا» بعد ذلك اتصلت بالسيدة ستيفاني وأخبرتها بتفاصيل ما جرى وطلبت المساعدة في اقناع الحكومة العراقية بجلب الجثمان ودفنه في تكريت لان عدم حصول ذلك سيؤدي الى اشعال نار الفتنة والفوضى والمشاكل الأمنية التي لا يمكن لأحد ان يحدد مداها.. وشرحت لها أهمية أنه لابد ان يدفن باحترام بعد ان تم اعدامه يوم العيد المقدس لدى المسلمين وما لذلك من آثار نفسية.. وقد اقتنعت المسؤولة الأميركية بهذا الرأي وأيدت طلبي بضرورة دفنه في تكريت.. واستمرت الاتصالات وسط رفض السلطات العراقية لطلب دفن صدام حسين في تكريت باشراف أهله وعشيرته .

على أعلى المستويات

ويضيف: بعدها أبلغتني السيدة ستيفاني بان الأمر الآن مطروح على أعلى المستويات في الولايات المتحدة الأميركية وسنستمر بالضغط لمتابعة الموضوع.. وفي تلك الأثناء كنت على اتصال بالمحافظ وأخبرني أنه تعرض لضغوط كثيرة للسفر الى بغداد وانهاء الأمر الا أنه رفضها وتمسك بالموقف الموحد وهو تسلم جثمان صدام حسين ودفنه في تكريت. وفي حدود الساعة الثانية والنصف ظهرا من يوم السبت والكلام لـ «أبي خالد» أخبرني المحافظ أنهم اتصلوا به من رئاسة الوزراء وأبلغوه بالحضور للتفاوض حول الأمر وأخبرته ان هذه نقطة جيدة تدل على حلحلة الموقف وأننا سنذهب الى بغداد على شرط ألا نحضر مراسم الدفن في بغداد مهما كانت الظروف اذا لم نستطع الحصول على جثمان صدام لدفنه في تكريت.

الأميركيون على الخط

ويستطرد أبو خالد قائلا: اتصلت بالسيدة استيفاني وأخبرتها بأننا يجب ان نذهب الى بغداد ونريد تأمين طائرة لهذا الغرض وكان لديها علم بالأمر وقالت ان الطائرة جاهزة لنقل الوفد الى بغداد.. ولقد استقل الوفد الطائرة من قاعدة سبايكر وهي قاعدة الكلية الجوية سابقا وتقع شمال غرب تكريت وأقلعت في تمام الخامسة مساء مع غياب الشمس ورافقنا من الجانب الأميركي العقيد مارك ادمون معاون آمر اللواء الأميركي المسؤول عن محافظة صلاح الدين آنذاك. ويقول: وصلنا الى مهبط طائرات بجوار القصر الجمهوري داخل المنطقة الخضراء ووجدنا سيارات من رئاسة الوزراء في انتظارنا لاصطحابنا بعد ان اعتذر العقيد مارك عن مرافقتنا الى رئاسة الوزراء باعتبار ان هذا شأن عراقي وان دوره انتهى ولا يمكن ان يتدخل في الأمر الا أنه سيبقى في الانتظار لنقل الجثمان بالطائرة اذا وافقوا على تسلمنا له وطلبت ان يرسل المترجم الخاص لآمر اللواء وهو أميركي من أصل مصري يدعى عمر بغرض تأمين الاتصال بالأميركيين عند الحاجة .

ويضيف: وصلنا الى مقر رئاسة الوزراء في السابعة والنصف مساء ودخلنا احدى القاعات الخاصة وكان بها عبدالكريم العنزي وزير شؤون الأمن الوطني آنذاك والدكتور محمد سلمان مستشار رئيس الوزراء والدكتور طارق نجم مدير مكتبه، وبعد تبادل المجاملات والشاي بدأ العنزي بالتحدث عن العاطفة والمسؤولية، وبين لنا ان المسؤولية تستوجب الحفاظ على أرواح العراقيين وان نقل جثمان صدام بشكل علني قد يؤدي الى حوادث أمنية خطيرة لذلك فان الحكومة قررت دفنه في مكان سري وان علينا حضور مراسم الدفن لنكون شهداء على ذلك وعند تحسن الأوضاع الأمنية يمكن نقل الجثمان الى مكان آخر واعادة دفنه.

الوضع الأمني

ويتابع أبو خالد قائلا: قاطعته قبل ان يكمل حديثه وأخبرته ان الوضع الأمني سيتدهور فعلا وبشكل خطير اذا عرف ان جثمان صدام لم يسلم الى ذويه لدفنه وستظهر شائعات تقول ان الجثمان قد يكون قد تم نقله الى ايران أو اسرائيل.. وأخرى قالت فعلاً ان صدام مازال على قيد الحياة وتم نقله الى خارج البلاد.. وعليه فانني أقترح على الحكومة ان تعامله بعد تنفيذ حكم الاعدام كرئيس سابق وتنظم له مراسم دفن وتشييع عسكري ثم تسلمنا الجثمان لدفنه في تكريت وان هذا الأمر اذا حدث فسيظهر كياسة ومهنية الحكومة العراقية، ووعدت بأنه اذا جرت الأمور على هذا النحو فسأظهر على شاشات التلفاز وأصدر بيانا من فضائية صلاح الدين أثني فيه على دور الحكومة في هذا الأمر وسيؤدي ذلك الى امتصاص أي نقمة محتملة في الشارع العراقي وأنني أتعهد بالأمن في صلاح الدين وسأصبح مسؤولا عن أي خرق أمني قد يحدث أما غير ذلك فلن نحضر الدفن في مكان سري ولن نكون مسؤولين عن أي شيء يحدث فأجاب العنزي ان هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلا.

خيارات الدفن

عندئذ طرح المحافظ خيارا جديدا قال ان عائلة صدام حسين طالبت بان ينقل جثمانه الى اليمن أو يدفن في محافظة الانبار - أكبر المحافظات السنية بالعراق - حسب وصية صدام اذا لم يدفن في تكريت.. استشاط العنزي غضبا من هذا الطرح وقال بانفعال ان هذا الأمر لن يحصل أبدا وان الحكومة قررت دفنه في مكان سري وان علينا كمسئولين رسميين (المحافظ ونائبه) تنفيذ أوامر الحكومة.. قلت له ان منصب نائب المحافظ لا يعني لي شيئا ولن أحضر الدفن بهذه الطريقة مهما كانت الظروف والأسباب .

ويضيف: انفردت بالعنزي جانبا وأخبرته ان الكلام بلغة الشيوخ أفضل وسألته لو كان صدام حسين لجأ الى كبير عشيرة «بني عنيزة» (عشيرة عبدالكريم العنزي) وآل هذال هل كانت ستسلمه عشيرة عنيزة الى السلطات؟ .. قال: «لا والله» ، قلت له أنا الشيخ عبد جبارة وأنا أكلم ابن هذال.. أريد منك جثمان صدام حسين فتغير شكل الوزير عبدالكريم وأحمر وجهه وقال: «الله كريم» سنحاول ولكن عليك ان تضمن أنه لن يحدث أي خرق أمني في صلاح الدين. فرد المحافظ قائلا ان الأمن مكفول ومضمون ونحن مسؤولون عن ذلك .