الجمعة، 14 يناير 2011

سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (3-20) يكتاتور عاد إلى منطقه الثأري حين تأكد من موته: «دمي برقبة الدوريين»

سقوط الإمبراطورية والديكتاتور (3-20)
الديكتاتور عاد إلى منطقه الثأري حين تأكد من موته: «دمي برقبة الدوريين»
في حضن الأنشوطة.. مهاترات نهائية ورعب لحظة الحقيقة والهاوية
محمود الشناوي
readers 180
تصغير الخط تكبير الخط
خبراء الأدلة الجنائية الأميركيون «يبصمون الديكتاتور المخلوع بعد أعتقاله» (أرشيف)
في ليلة وقفة عيدالأضحى المبارك من عام 2006 كان صدام حسين يشعر بنهاية أجله، وأن الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي لن تؤجل إعدامه أبداً صباح يوم العيد.. كانت بغداد تتهيأ فيما يبدو لإعدام الرجل ذي القبضة الحديدية، والذي كان مجرد ذكر اسمه بسوء لمدة أكثر من ثلاثين عاماً يعني الهلاك الحتمي، لكن قرية العوجة في تكريت حيث عشيرة البيجات التي ينتمي إليها صدام تنتظر الثأر ليس من الأميركيين أو الحكومة العراقية أوالمعارضين الذين أقصاهم صدام في المنافي طيلة فترة حكمه، لكن من الذي سلمه للأميركيين وأرشد عنه حيث عاش صدام بعد سقوط نظامه في عام 2003 في تكريت إلى أن تم القبض عليه ومحاكمته وإعدامه.

ساعات مرت طويلة على صدام حسين في محبسه بمعسكر أميركي في مطار بغداد انتظاراً لتسليمه للحكومة العراقية ليلة وقفة عيد الأضحى المبارك قبل أن يطلب من سجانيه لقاء أخويه غير الشقيقين وطبان وسبعاوي ليس لوداعهما كما اعتقد السجّانون، وإنما ليقينه بأن عشيرته ستطلب الثأر ممن سلموه وعليه أن يفصح عن اسم من سلمه قبل موته وهو السر الذي ظل محتفظاً به طيلة فترة محاكمته ولم يسأله أحد عنه وكان الاختيار بين اثنين يعتقد أنهما ضالعان في تسليمه للأميركيين أحدهما صاحب المزرعة التي كان يختبئ فيها صدام والآخر أحد مرافقيه.. تلك التفاصيل وغيرها كشفتها الزيارة إلى قرية العوجة في تكريت حيث يرقد صدام وأبناؤه ورموز نظامه.

يقول قصي أحد اقارب صدام حسين من عشيرة البيجات إن صدام لم يكن خلال الساعات الأخيرة لإعدامه يشعر أبداً أن في الأمر موت أو نهاية وإنما بداية جديدة في مكان آخر لكنه يختلف عن حياة القصور والسلطة التي ودعها بعد انهيار نظامه في العام 2003.

ويضيف قصي الذي رفض الإفصاح عن اسمه كاملا خشية الملاحقة أن «السيد الرئيس»، كما يصفونه دائما عند الحديث عنه، كان يشعر أحياناً بالارتعاد من اقتراب لحظة الأجل، لكنه كان يشعر من حوله بالثبات والصمود.

لقاء نادر

ويتابع «ودّع صدام أخويه غير الشقيقين وطبان وسبعاوي تمهيدا لإعدامه بعد أن يتم تسليمه أولاً إلى الحكومة العراقية وكان ذلك يوم الخميس في لقاء نادر بالسجن وأخبرهما بأنه سعيد لأنه سيلقى حتفه على أيدي أعدائه، ويصبح شهيداً، لا مجرد أن يقاسي عناء السجن».

ويشير قصي إلى أن صدام أعطاهما رسائل إلى عائلته كما سلمهما «رسالة وداعية» أعلن فيها قبوله بـ «الشهادة» وحث الشعب العراقي على الوحدة، وقال إنه يقدم نفسه فداء له. «فإذا أراد الرحمن هذا صعد به إلى حيث يأمر سبحانه مع الصدّيقين والشهداء.. وأن أجّلَ قراره على وفق ما يرى فهو الرحمن الرحيم وهو الذي أنشأنا ونحن إليه راجعون، فصبر جميل وبه المستعان على القوم الظالمين».كما حث صدام، بحسب ما قاله قصي نقلاً عن سبعاوي ووطبان الشعب العراقي- المتنوع طائفيا وعرقيا- على أن يصبحوا نموذجاً للحب والتسامح والتعايش وانتقد كلاً من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وقال «في ظل عظمة الباري سبحانه ورعايته لكم... ومنها أن تتذكروا ان الله يَسّر لكم ألوان خصوصيّاتكم لتكونوا فيها نموذجاً يَحتذى بالمحبة والعفو والتسامح والتعايش الأخوي فيما بينكم».

وقال قصي إن سبعاوي نقل لعشيرة البيجات عن صدام حسين عندما كان يودعه، السر الذي يتعلق بالشخص الذى يعتقد الرئيس السابق أنه المسؤول عن سقوطه في قبضة القوات الأميركية.

«طلايب» دم!

وأوضح أن سبب تمسك صدام بالإفصاح عن هذا السر وكذلك اهتمام سبعاوي بنقله يعود إلى العرف العشائري حيث إن مثل هذه الأمور يكون فيها «طلايب دم» بمعنى الثأر من الشخص المسؤول عن تسليمه..حيث يصبح الشخص الذي قام بتسليمه حسب المفاهيم العشائرية هناك هو القاتل الفعلي ومن هنا وجب االقصاص منه وهذا هو ما أدى إلى دخول عشيرة صدام (البيجات) في صراع مع عشائر أخرى.

ويقول قصي: استطاع سبعاوي إبراهيم حسن التكريتي وهو الأخ غير الشقيق للرئيس العراقي الراحل أن يوصل رسالة لكبار شيوخ عشيرة البيجات تتضمن تفاصيل الساعات الأخيرة قبل إعدام صدام مشيراً إلى أن سبعاوي أوضح خلال رسالته لشيوخ البيجات، أنه طلب من صدام أن يقول كلمته الأخيرة بشأن المسؤول عن تسليمه للأميركيين لأن القضية فيها «طلايب دم» حيث كان هناك اتهام لشخصين أولهما قيس النامق صاحب المزرعة التي تم اعتقال صدام في أحد سراديبها وشخص من مرافقي صدام يدعى محمد إبراهيم المسلط وكان من جماعة خير الله طلفاح، فالعقيد المسلط هو ابن عم ساجدة خير الله طلفاح عمر المسلط الزوجة الأولى لصدام حسين وأم ابنيه عدي وقصي وابن خالة صدام نفسه وأشيع أنه اضطر إلى كشف مكان اختفاء صدام حسين تحت ضغط أميركي وتهديد بهتك عرض بناته وزوجته .

ويضيف سبعاوي أن صدام قال له «أشبعت الكلاب وجوعت الذئاب» قبل أن يؤكد حقيقة الشخص الذى سلمه للأميركيين وهي كناية عمن تمتعوا بخيرات صدام أيام مجده وعزه.

اللعنات

ويتابع شقيق الطاغية الراحل: صدام قال لي «دمي برقبة الدوريين».. وهو بذلك نفى بذلك التهمة عن محمد إبراهيم المسلط.. وأكد أن من سلمه هو قيس النامق وطباخه ونسيبه.

ومع بدء شروق شمس يوم 30 ديسمبر من عام 2006، كان القاضي الكردي منير حداد، وهو نائب رئيس المحكمة الجنائية العراقية العليا وأحد القضاة السبعة الذين وقعوا على قرار إعدام صدام وكل من عواد البندر وبرزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام وجددوا العقوبة على طه ياسين رمضان من الحكم بالسجن المؤبد إلى الإعدام، بالإضافة إلى وزير العدل العراقي والمدعي العام منقذ آل فرعون بانتظار صدام حسين في غرفة مجاورة للغرفة التي أعدم فيها.

ففي قاعة الاستخبارات العسكرية العراقية السابقة (الشعبة الخامسة) التي كان صدام يوجّه منها الحرب ضد إيران (1980- 1988) وأصبحت الآن سجن «الحماية القصوى» في منطقة الكاظمية في العاصمة العراقية (بغداد) دخل صدام حسين مكبلاً بين سجانيه وهو يحمل نسخة من القرآن الكريم، وبحسب ما يروي القائمون على إعدامه أجلس صدام على كرسي وردد اللعنات على أميركا وإيران حيث كان يقاطع حداد الذي تلا عليه قرار إعدامه شنقاً حتى الموت ثم القرارالتمييزي من قضاة المحكمة العليا بتصديق حكم الإعدام ثم الأمر الديواني الموقع من رئيس الوزراء نوري المالكي.

ويقول الرواة في تكريت إن صدام كان يلعن الأميركيين والإيرانيين، في حين كان القاضي يردد على مسامعه مراسيم إعدامه، فيما حرص كل من حضر لحظات إعدامه لتأنيبه على الحروب التي شنها على إيران والكويت، وضياع الاقتصاد في تشييد القصور الخاصة.

ويضيفون: اصطحب منفذو الإعدام في صدام إياه إلى المشنقة وأثناء صعوده إليها طلب منه القاضي والمدعي العام قراءة وصيته فرد قائلاً إنه ليس له وصية بينما رفض وضع كيس الإعدام على رأسه.

فيلم وثائقي

وما يؤيد رواية أهل تكريت الحريصين على البقاء بالقرب من قبر صدام وعائلته شريط بثه موقع «يوتيوب» فور إعدام صدام وقد تم تصويره عبر هاتف محمول مزود بكاميرا ويعتقد على نطاق واسع أن من قام بتصويره وبثه شخص ينتمي لفرقة الإعدام يدعى علاء حيث يظهر من خلال هذا الشريط وهو يهتف باسم محمد باقر الصدر بلهجة أهل جنوب العراق، فيما يناديه الآخرون باسم علاء. ويظهر الفيلم قاعة بارتفاع ما يقرب من خمسة أمتار يوجد بها منصة على ارتفاع ثلاثة أمتار حيث قام المصور بالتصوير بالقرب من سلم حديدي على يسار القاعة يودي إلى المنصة حيث ظهر صدام حسين وقد قيدت يداه إلى الخلف ويوجد عدد من الرجال المقنعين بلباس مدني حوله .

ثم يصور الفيلم رفض صدام ارتداء الكيس الأسود لتغطية رأسه قبل لحظات الإعدام ثم قوله «يا الله» ثم تقدمه باتجاه المشنقة ووقوفه على المنصة بهدوء محاطاً بالحراس إلا أن أحد الحراس قام بلف الكيس الأسود على رقبته ومن ثم لف حبل الإعدام والأنشوطة على يسار صدام ثم سمع عدد من الحاضرين يرددون «اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، وعجل فرجه وأنصره على عدوه».

ثم صرخ أحدهم «مقتدى مقتدى مقتدى» فرد صدام عليه وقال «ها هي المرجلة» (وهي باللهجة العامية العراقية تعني هل هذه هي الرجولة؟) ثم سمع أحد الحاضرين يقول «إلى جهنم» وهتف آخر «عاش محمد باقر الصدر» ومن جانبه، تجاهل صدام الصياح وردد «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله»، فقال آخر ويعتقد أنه المدعي العام منقذ آل فرعون «يا إخوان أرجوكم الرجل في إعدام، أرجوكم».

وأكمل بعض المجتمعين بهتافات مشابهة وقام أحد الحراس فطلب من صدام إعادة الشهادتين وما إن أعاد صدام تكرار الشهادتين حتى سمع صوت يعتقد أنه صوت فتح البوابة الحديدية تحت أقدام صدام وهو يسقط في حفرة الإعدام ثم سمع صوت أحد الحضور يصيح «اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد». وصرخ آخر «سقط الطاغية لعنة الله عليه».وساد الصياح والهتاف في القاعة وسمع كلمات ليست عربية يعتقد أنها فارسية. ثم ظهرت صورة صدام وهو معلق وهو ينظر إلى الأعلى.

وعلى الرغم من أن الأميركيين منعوا اصطحاب الهواتف المحمولة مع أي ممن حضروا وقائع إعدام صدام مهما كان الشخص مسؤولا ومهما كان مستواه السياسي رفيعا وعلى الرغم من فتح تحقيق فيمن صور شريط الفيديو أو من قاموا بالهتاف أو السباب ضد صدام في غرفة الإعدام إلا أن التحقيق لم يظهر على وجه التحديد من المسؤول عن تلك الأعمال .

لكن المصادر القضائية المكلفة بتلك التحقيقات أكدت أن الفيلم صور من خلال كاميرا هاتف محمول يملكه مسؤول رفيع المستوى بين من حضروا تنفيذ الإعدام في الوقت الذى لم يتم فيه الإعلان رسمياً عن أن أياً من المسؤولين ذوي المقام الرفيع حضروا وقائع إعدام صدام.. باستثناء موفق الربيعي مستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن القومي في العراق وقتها.

بعد الإعدام

لكن القاضي حداد كشف فيمابعد عن أن صادق الركابي المستشارالسياسي لرئيس الوزراء حضر وقائع الإعدام بقوله «بعد إعدام صدام طلبت لفافة تبغ من الركابي لأدخن ففتح علبة السجائر ووجد فيها سيجارة واحدة من ماركة «لايك سترايك» فأعطاني إياها فرفضت، أحسست أن الدنيا لا تساوي شيئا وقلت للركابي في حينها هذا صدام الذي كان الناس يخشون ذكر اسمه. هو الشخص نفسه المعلق الآن في حبل المشنقة».ويضيف «كنا 14 شخصاً من المسؤولين عن تنفيذ الحكم وحين تم الشنق فحص الطبيب جثمان صدام وتأكد من موته، ثم قمنا بتوقيع محضر تنفيذ الحكم ووقعت عليه أنا والمدعي العام وممثل رئيس الوزراء والطبيب، ورئيس السجن». ويتابع قائلا: خارج القاعة كانت تنتظرنا مروحيتان، أقلت كل منهما 7 أشخاص. فتجنبت المروحية التي أقلت جثمان صدام حسين مع فريق الـ 7 أشخاص الآخرين. وهبطت المروحيتان في المنطقة الخضراء حيث كانت تنتظر المروحية التي نقلت جثمان صدام إحدى سيارات الإسعاف وقام الرجال الذين يستقلون تلك السيارة بنقل جثمان صدام إلى منزل مجاور لمنزل رئيس الوزراء.

ويقول شهود عيان على عملية نقل جثمان صدام حسين إن المدعي العام لمحكمة الدجيل، والذي رأس هيئة الادعاء العام في قضية الأنفال وكان مكلفاً بنقل جثمان صدام من مكان إعدامه في الكاظمية إلى المنطقة الخضراء شوهد محمولا على الأكتاف بعد خروجه من بناية رئاسة الوزراء قبل أن تمر التظاهرة أمام مبنى رئاسة الوزراء، وينقل جثمان صدام إلى سيارة الإسعاف بعد نحو ساعة من إعدامه وقد لف بقماش أبيض.

أفراح وتظاهرات

وسمع في شريط فيديو صوت أحد الأشخاص الأربعة في داخل سيارة الإسعاف التي تقل جثمان صدام يطلب من الطبيب المشرف على الجثمان بالقدوم منبها على ضرورة الحصول على نسخة من الشريط كما يحث ملتقط الفيديو على الإسراع في عملية التصوير.

كما شوهد بحسب شهود العيان عدد من المتظاهرين يرقبون الجثمان من خلال شباك سيارة الإسعاف واقترب مصور الفيديو من الجثمان بعد كشف وجه صدام حسين الذي بدت آثار خدوش واضحة على خده الأيسر، كما ظهر جرح قطعي في رقبته وآثار دماء بجوار فمه، وهو ما نتج عن عملية الإعدام. لكن المدعي العام ال فرعون قال، فيما بعد إن مشاركته في الاحتفال وسط المنطقة الخضراء في بغداد بعد إعدام صدام حسين والذي بث في شريط مصور على مواقع إلكترونية «كانت عفوية ولم يتم الإعداد لها سلفاً».
وثيقة استلام جثة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق