الجمعة، 28 مايو 2010

الصين والعرب و موازين القوة والضعف

الصين.. والعرب.. موازين القوة والضعف

يوسف الكويليت

هل أصبحت السياسة تتبع الاقتصاد أم العكس، أم أنهما توأم جاءا من رحم واحد بدون فصل بينهما إلا لأسباب ترجّح أحدهما على الآخر؟
هذا الموقف برز من خلال انعقاد المنتدى الرابع للتعاون العربي - الصيني، حين اختفت الأمور السياسية لصالح الاقتصاد حتى إن الجانب الصيني رفضَ التوقيع على وثيقة مشتركة تنص على أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية، ومنعَ الصحفيين الصينيين التوجه بالأسئلة للطرف العربي..
طبعاً للصين تفسيرها في هذا الموقف، إذ اختلف اتجاه بوصلتها عندما كانت تحتضن مختلف الواجهات الفلسطينية كأعضاء في النضال العالمي، وكانوا يحظون بقيمة منفردة أيام «ماوتسي تونغ»، وهي الآن تتبع منطقاً «براغماتياً» يختلف عن تلك التوجهات، ومع ذلك فالنتائج كانت كبيرة لدولة عظمى قادمة..
الوطن العربي خسر الكثير من الفرص نتيجة الانقسام بين الشرق والغرب، بينما المصالح لا تتجزأ حتى إن مقولة «تشرشل» استعداده للتحالف مع الشيطان لهزيمة ألمانيا النازية منطق حقيقي لهذه السياسة، وهنا لابد من إدراك أن الغرب بعنصريْه الأوروبي والأمريكي هما الحاضن الأساسي لإسرائيل، وهما شريكان كبيران للصين، وبالتالي لم تعد سياسة التفاضل بين المواقف تقررها الأيدلوجيا، بل حجم الاستثمارات والتجارة البينية، والمكاسب الاقتصادية..
الصين لاعب جديد، وهي الآن في مركز صانع القرار، لا قبوله من طرف آخر وعلينا أن نتعامل معها من أفق أكثر إشراقاً خاصة وأنها السوق المهم جداً لصادراتنا ونبادلها نفس المعاملة في وارداتنا منها، ودخول شركاتها المساهمة في ورشة العمل في العديد من مشاريع البنى التحتية، وهذا بحد ذاته، كسرٌ لاحتكار الشركات والدول التي ظلت تتعامل معنا بعقلية احتكارية ومبتزة..
ثم إن الصين أصبحت تملك قواعد علمية وتجارب إدارية وصناعية ، وهي الاحتياجات التي تفترض أن نتبادل معها هذا النوع من العلاقات العلمية والتربوية والثقافية، ونستعين بطاقاتها في البحوث وغيرها إذا ما أردنا فتح النوافذ لجميع التجارب العالمية التي تمنحنا فرصة توسيع دوائر تنميتنا المادية والصناعية..
وإذا كانت إمكاناتنا من الطاقة والصادرات الزراعية، والمواد الأولية مغريات لبلد صناعي مثل الصين، فهي أيضاً تريد فتح أسواقنا لها بما في ذلك التبادل الثقافي والتعليمي فيما بيننا، وحتى في السياسة فهناك ما يجب أن نتفق عليه وفقاً لأولويات كل طرف، وأن لا ننتظر أن من لا يتفق معنا، نضعه في صف عدونا، بينما إسرائيل تفعل العكس حتى في وقت انحياز الشرق الشيوعي لنا، لم تغلق الأبواب معه وقد حققت نتائج لا تقاس بحجم ما كنا نفكر به أن تلك الدول ستعاديها، ولعلها في الأيام الماضية وقعت مع الصين اتفاقية لإقراضها أربعمائة مليون دولار لتذهب للعديد من المشاريع، بمعنى أن إسرائيل تذهب حتى في إعطاء مثل هذا المبلغ لأسرع اقتصاد ينمو في العالم..
وهنا علينا أن نعرف أن ميدان السباق لم يعد سياسياً بل أصبح اقتصادياً وتقنياً ، وحتى ننجح علينا إدخال هذا المبدأ في صلب توجهاتنا، حتى لا نخسر العالم بأسباب لا نعرف كيف نصل إليها إلا بتفسيراتنا العاطفية على حساب تبادل المصالح كمرتكز لأي علاقة..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق