السبت، 15 مايو 2010

قصة ايلول الاسود

قصة ايلول الاسود

أيلول الأسود هو الاسم الذي يشار به إلى أحداث شهر أيلول من عام 1970 م، والذي يعرف أيضًا "بأحداث أيلول". في هذا الشهر تحرك الجيش الأردني بناء على تعليمات الملك حسين ومستشاريه العسكرين لوضع نهاية لوجود المنظمات الفلسطينية. لم تكن العلاقات بين الملك حسين وجمال عبد الناصر جيدة، الأمر الذي أعطى منظمة التحرير الفلسطينية قوة دافعة داخل الأردن مردها ان قيادة المنظمات الفلسطينية كانت متاكدة من أن الأنظمة العربية المجاورة للأردن سوف تتدخل لصالح المنظمات الفلسطينية إذا ما نشب الصراع مع الجيش الأردني.

تعود جذور الصراع إلى بعد عام 1968 أي بعد معركة الكرامة تقريباً والتي انتصر فيها الجيش العربي الاردني على الجيش الإسرائيلي في الأغوار ووالذي كان قد عبر نهر الأردن باتجاه الضفة الشرقية عبر بلدة الكرامة. كانت غاية إسرائيل وهدفها الوحيد والمرسوم بدقة احتلال جبال السلط مرتفعات جلعاد المطلة على الضفة الغربية وجعلها جولان جديدة.

صنف النصر في الكرامه على أنه أول انتصار للعرب على إسرائيل، كما وصفه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر : "ومع هذا النصر العظيم سقطت أسطورة 'جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لا يقهر'" ،وقد رفع هذا النصر المعنويّة العربيّة الني منيت بالهزائم المتكررة.


ما بين منتصف عام 1968 ونهاية عام 1969 م كان هنالك أكثر من 500 اشتباك عنيف وقع بين الفصائل الفلسطينية وقوات الأمن الأردنية. وأصبحت أعمال العنف والخطف تتكرر بصورة مستمرة حتى باتت تُعرف عمان في وسائل الإعلام العربية بهانوي العرب. زار الملك حسين الرئيس المصري عبدالناصر في فبراير 1970 م. وبعد عودته، أصدر مجلس الوزراء الأردني في 10 فبراير 1970 م قرار بشأن اتخاذ إجراءات تكفل قيام "مجتمع موحد ومنظم"، وكان مما جاء فيه: أن ميدان النضال لا يكون مأموناً وسليماً، إلا إذا حماه مجتمع موحد منظم يحكمه القانون، ويسيره النظام. ونص على ما يلي:

  1. كل القوى في الدولة حكومية وشعبية وفردية مدعوة إلى القيام بدورها حسبما يفرضه القانون وترسمه السلطات المختصة.
  2. حرية المواطن مصونة بأحكام الدستور.
  3. يمنع منعاً باتاً وبأي شكل من الأشكال تأخير أو تعطيل أو منع رجال الأمن العام أو أي مسؤول من أية مؤسسة رسمية من تنفيذ واجباته المشرعة.
  4. يجب على كل مواطن أن يحمل هويته الشخصية في جميع الأوقات وأن يعرضها على رجال الأمن إذا طلب منه ذلك.
  5. يمنع إطلاق النار داخل حدود المدن والقرى.
  6. يمنع التجول بالسلاح داخل حدود أمانة العاصمة أو الاحتفاظ به.. ويستثنى من ذلك تنظيمات المقاومة الشعبية فقط.
  7. يمنع خزن المتفجرات أو الاحتفاظ بأية مقادير منها، داخل حدود أمانة العاصمة أو الأماكن المأهولة، وتعطى مهلة أسبوعين اعتباراً من تاريخ صدور هذا القرار للإبلاغ عن مثل تلك المواد المخزونة وإزالتها، وإبلاغ القيادة العامة للجيش العربي الأردني… وكل من يخالف ذلك يتعرض للعقوبة.
  8. كل سيارة أو مركبة تعمل في المملكة الأردنية الهاشمية يجب أن تحمل الرقم الرسمي المخصص لها من دائرة السير
  9. تمنع منعاً باتاً جميع المظاهرات والتجمهرات والاجتماعات والندوات غير المشروعة، ولا يسمح بعقد الندوات إلا بإذن مسبق من وزارة الداخلية.
  10. تمنع جميع النشرات والصحف والمجلات والمطبوعات الصادرة خلافاً للأصول المرعية.
  11. النشاطات الحزبية ممنوعة بموجب القانون وتمنع ممارستها بأية صورة من الصور.


بداية التوتر

حاول الملك حسين التخفيف من حدة التشنج لدى الجيش الأردني الذي قام عدة مرات بالهجوم على قواعد قصائل فلسطينية تيجة لرد الفعل عن هجمات للمنظمات اوقعت قتلى في صفوف الجيش وذلك بتعيين وزراء مقربين إلى القيادات الفلسطينية إلا أن ذلك لم يفد. وفي 11 فبراير، وقعت مصادمات بين قوات الأمن الأردنية والمجموعات الفلسطينية في شوارع وسط عمان، مما أدى إلى حدوث 300 قتيل معظمهم مدنيين. وفي محاولته منع خروج دوامة العنف عن السيطرة، قام الملك بالإعلان قائلا: «نحن كلنا فدائيون»، وأعفى وزير الداخلية من منصبه.إلا أن جهودة بائت بالفشل.

في يونيو(حزيران) قبلت مصر والأردن اتفاقية روجرز والتي نادت بوقف إطلاق النار في حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، وبالإنسحاب الإسرائيلي من مناطق احتُلت عام 1967 م، وذلك بناء على قرار مجلس الأمن الدولي 242. رفضت منظمة التحرير والعراقوسوريا الخطة. المنظمات الراديكالية في منظمة التحرير الفلسطينية، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لجورج حبش، الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين لنايف حواتمة، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة لأحمد جبريل، قرروا تقويض نظام الملك حسين بن طلال الموالي للغرب حسب تعريفهم.

لم يتصدى عرفات للراديكاليين بل ان بعضهم اتهمه برغبتة في السيطرة على الحكم في الأردن.وصرح أبو اياد وهو العضو في فتح انه سيتدخل ضد الجيش الاردني إذا تعرضت هذه المنظمات إلى أي ضربة عسكرية من الجيش الأردني بعد أن وصلت حدة التوتر بين الجيش ومنظمة جورج حبش إلى قمته، الأمر الذي جعل المنظمات الفلسطينية كلها في مواجهة الجيش الأردني.

في 9 يونيو نجا الملك حسين من محاولة فاشلة لاغتياله أثناء مرور موكبه في منطقة صويلح ومحاولة فاشلة أخرى بوسط عمّان حيث قام قناص فلسطيني كان مختبئا على مئذنة المسجد الحسيني بإطلاق النار على سيارة الملك واستقرت إحدى الرصاصات في ظهر زيد الرفاعي الذي كان يحاول حماية الملك، وقامت مصادمات بين قوات الأمن وقوات المنظمات الفلسطينية ما بين فبراير ويونيو من عام 1970، قتل حوالي 100 شخص بسبب الصراع.

الصدام العسكري ونهاية المنظمات

تقرر في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية في عمان بضرورة توجيه ضربة استئصالية ضخمة وبقوات متفوقة إلى كل المنظمات الفلسطينية داخل المدن الأردنية وبدا ان الطريق وصل إلى نقطة اللا عودة. كان الملك حسين يرغب بتوجيه ضربه عسكرية محدودة قدتحصر النشاط العسكري للفصائل داخل المخيمات وتعيد هيبة الدولة إلا أن المؤسسة العسكرية كانت تنزع إلى توجية الضربة الاستئصالية مستخدمة التفوق العسكري لديها، وكان يقود هذا الراي المشير حابس المجالي ومدير المخابرات نذير رشيد.

اعلن في ايلول من عام 1970 تشكيل حكومة عسكرية برئاسة الزعيم محمود داوود واقالة مشهور جازي الحديثة عن قيادة الجيش وتعيين المشير حابس المجالي قائدا للجيش وحاكماً عسكرياً عاماً حيث وكل إلى هذه الحكومة أمر تصفية وجود الفصائل الفلسطينية العسكري داخل المدن الأردنية. وهذا ما حدث بالفعل فيما بعد، فبالرغم من التهديدات العربية للاردن إلا أن عمليه حشد آلاف العربات المصفحة والمجنزرات وتحريك عشرات الالاف من الجنود حول عمان والزرقاء استمرت. ارسل حابس المجالي إلى ياسر عرفات يطلبة للمفاوضات حيث ارسل مجموعة من الضباط للتفاوض مع المنظمات. ارسل ياسر عرفات "محمود عباس" (الرئيس الفلسطيني الحالي) للتفاوض عن الطرف الفلسطيني فقد رفض مقابلة حابس المجالي، والثابت ان هدف المجالي كان إعطاء الجيش الاردني الوقت الكافي لنصب المدافع في مواقع حساسة واتمام عملية الحشد والتي تمت بالفعل بالإضافة إلى إعطاء صورة بعدم جدية الجيش الاردني بالقيام باعمال عسكرية حيث تبين فيما بعد أن تطمينات عربية كانت قد وصلت إلى عرفات تؤكد عدم جدية التحركات العسكرية الاردنية. وفي المفاوضات طالب محمود عباس إخراج جميع القوات العسكرية الاردنية من عمان واستبدالها بشرطة غير مسلحين الا بالعصي واسقاط الحكومة العسكرية واستبدالها بمدنية يكون لهم دور في تشكيلها ثم يتم التفاوض على باقي النقاط بعد تنفيذ هذه الشروط، ابدى الوفد الاردني رضائة عن الشروط وانه سيتباحث مع القيادة فيها وطلب امهاله حتى يوم غد حيث تم عقد شبه اتفاق.

وفي يوم التالي بدا الجيش بتنفيذ الخطة فبدأت الدبابات والمجنزرات الاردنية بالقصف المدفعي العنيف على مواقع المنظمات الفلسطينية وبدأت المجنزرات والسكوتات باقتحام مخيم الوحدات ومخيم البقعة ومخيم سوف ومخيم الزرقاء واجتياح فرق المشاه شوارع مدن الزرقاء وعمان واربد حيث حدثت معارك ضارية. وكان لشدة المقاومة في مخيم الوحدات السبب في دفع القوات الأردنية إلى زيادة وتيرة والقصف والضغط العسكري الأمر الذي ضاعف الانتقادات العربية للاردن التي لم يابه بها. استسلم الالوف من المسلحين الفلسطينين إلى القوات الأردنية وقتل الالوف.

وصل بعض الزعماء العرب يرئسهم جعفر النميري إلى عمان في محاولة إلى وقف القتال وإنقاذ منظمة التحرير إلى أن احدا لم يابة بة حيث بدا وكأن الجيش قد فلت عقالة ولم تعد السلطة السياسية في الأردن تسيطر علية وباتت عمان والاردن كلة تئن تحت رحمة الجيش الأردني. تمكن جعفر النميري والباهي الادغم وزير خارجية تونس من الوصول إلى مخبا ياسر عرفات حيث حملوه معهم متنكرا بملابس نسائية، وبالرغم من علم المخابرات الأردنية بهويته إلا أن تعليمات من الملك حسين إلى رجال المخابرات بالسماح له بالمغادرة.

بعد مؤتمر القاهرة الذي من خلاله خرجت المنظمات الفدائية من المدن الأردنية كاملة إلى احراش قريبة من مخيم سوف [أحراش جرش وأحراش عجلون] واعتقد الجميع ان الحرب قد انتهت، الا انه سرعان ما دب الصراع هناك مجددا بعد أن ضاق سكان القرى في تلك المناطق ذرعا بتجاوزات الفدائين، حيث اجتاحت قوات الجيش الأردني احراش جرش وعجلون واستئصلت آخر معاقل منظمة التحرير الفلسطينية وباقي المنظمات وكسرت شوكتها هناك إلى الابد.

التدخل السوري

في الثامن عشر من أيلول، قامت سوريا بمحاولة التدخل للدفاع عن المقاتلين الفلسطينين. تم إرسال جيش التحرير الفلسطيني مزودا بقوات مسلحة ودبابات سورية. أيضا قامت سوريا بارسال وحدات متعددة منها وحدة المشاة الخامسة ولوائين مدرعين بالإضافة إلى أكثر من ٢٠٠ دبابة من طراز T-55. التقت الوحدات العسكرية السورية مع اللواء المدرع الأربعين في الجيش الأردني. القوات الجوية السورية لم تتدخل بأمر من وزير الدفاع حافظ الأسد حينئذ. الملك حسين بعد التدخل السوري، ارسل إلى طلب المعونة من الولايات المتحدة وبريطانيا للتدخل في الحرب بالأردن مما أكد مزاعم الفلسطينين انه كان يعمل في تقارب واضح مع الولايات المتحدة الأمريكية. وكان طلب الملك الأردني من الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم بالهجوم على سوريا. حيث أظهر اكتشاف لوثائق أطلقتها مكتبة الريئس نيكسون معلومات مهمة فيما يتعلق في أيلول الأسود، وفيماماقاله تيموثي نافتالي عن محاولة الملك الأردني من في استجداء المعونة من أمريكا : "الملك سأل الولايات المتحدة وبريطانيا للتدخل في الحرب في الأردن، سائلا أمريكا في الواقع، لشن هجوم على سوريا. سوريا احتلت الأردن والملك الأردني في مواجهة ما يعتقد انه هزيمة عسكرية طلب النجدة باي طريقة ممكنة"[2]

وتم اكتشاف من خلال برقية مسجلة أن الملك اتصل بمسؤول في الولايات المتحدة الساعة الثالثة صباحا سائلا المعونة، بحسب البرقية قال الملك "الوضع يتأزم بشكل خطير بعد الاحتلال السوري، أنا اطلب مساعدة فورية مباشرة برا وجوا، ليتم حماية استقلال وسيادة الأردن. هجمات جوية مباشرة على القوات المحتلة من أي طرف بالإضافة إلى غطاء جوي أمر حتمي" [2]

نتيجة لذلك، قامت إسرائيل بطلب أمريكي بالقيام بهجمات جوية مزيفة على سوريا في محاولة لتحرك إسرائيلي نحو سوريا، الأمر الذي اضطر القوات السورية إلى الانسحاب الفوري من الأردن لتأمين الحدود السورية. التدخل السوري كان دائما سبب لمناظرات تاريخية، حافظ الأسد أخبر مؤلف سيرته الذاتية -باترك سيل- ان هدف سوريا كان لأجل حماية الفلسطينين من المجازر التي ارتكبتها الملك الأردني بحقهم. الانسحاب السوري حطم معنويات الفلسطينين. حيث قامت القوات الأردنية وقته باعثاء الدمار في مقراتهم في عمان وهددت بتدميرهم في مناطق أخرى بالمملكة.

حسابات ما بعد أيلول

رغم إدراك القيادات الفلسطينية عدم قدرتها على مواجهة الجيش الأردني فيما إذا نشبت الحرب الشاملة بينهم إلا أن إشارات كثيرة قادت إلى وجود تطمينات كثيرة من دول عربية انه في حالة نشوب هكذا صدم فانهم سيتدخلون لصالحهم وهذا ما لم يحدث.

الفصائل الفلسطينية طردت من الأردن إلى لبنان (راجع حرب لبنان الأهلية) لتشتعل الحرب مجددا هناك حيث اسس ياسر عرفات ما سمي فيما بعد جمهورية الفكهاني وهي منطقة سيطرة كاملة للمنظمات الفلسطينية داخل بيروت.

أسست فتح منظمة أيلول الأسود. في 28 نوفمبر 1971 في القاهرة التي قامت بإغتيال رئيس وزراء الأردن السابق وصفي التل.

فيما يشبه الحرب الأهلية، عدد الإصابات قدر بالآلاف قدرها أحمد جبريل في مقابلة الجزيرة بـ 5000 من الطرف الفلسطيني. [1] أما عن اعداد القتلى الأردنين فسجلات الجيش الأردني تؤكد مقتل أكثر من 21 جندي أردني في المعارك (2) لكن عدد القتلى الأردنين من المدنين لم يعرف مع أن البعض يقدره بالمئات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق