الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

طه حسين ليس صهيونيّاً

طه حسين ليس صهيونيّاً


بيروت - عبدالله أحمد


صدر عن سلسلة «الهلال» كتاب «طه حسين والصهيونية» لحلمي النمنم يفتّش فيه المؤلف في أوراق طه حسن وكتاباته وأفكاره حول فلسطين والصهيوينة وإسرائيل. وهي كتابات مجهولة لكثيرين، ما دفع بعض خصومه إلى اتهامه بتجاهل القضية الفلسطينية والانحياز الى الصهيونية،
لا سيما أنّه أسس مجلة «الكاتب المصري» التي كانت مملوكة لأسرة يهودية مصرية وتوقّفت عن الصدور بعد حرب 1967.
يقول حلمي النمنم إن كثيرين من معاصري طه حسين، أمثال محمد رشيد رضا وشكيب إرسلان وجرجي زيدان وشبلي شميل، كتبوا عن فلسطين وتابعوا القضية منذ بداياتها الأولى في نهاية القرن التاسع عشر، قبل صدور «وعد بلفور» في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1917، وتعهدت فيه بريطانيا لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين. ويعتبر المؤلف أن حسين رأى بعمق خارطة مصر، وأدرك أن فلسطين هي بوابة مصر نحو المشرق العربي، لذا تابع مبكراً المجريات على أرض فلسطين من ازياد معدلات الهجرة اليهودية إليها وبروز المشروع الصهيوني، وراح ينبّه في مقابلاته إلى خطورة ما يجري في فلسطين على العالم العربي.
شغلت الصهيونية مكاناً في تفكير حسين ووجدانه، وكان قادراً على التمييز بين اليهودية كديانة واليهود العرب كمواطنين، وما تقوم به الصهيونية على أرض فلسطين، ولم يسامح أبداً «الأمم المتحدة» لأنها اتخذت مواقف مجحفة لصالح إسرائيل ضد الفلسطينيين.
يقول النمنم إن من يتهمون حسين بتجاهل قضية فلسطين هم «المثقفون بالسماع»، مشدداً على أنه «لا تجوز محاسبة الكاتب على ما لم يكتبه»، وإنما يُحاسب على ما كتب. ويسجل المؤلف في فصل عنوانه «فلسطين والطمع الصهيوني» أن قضية فلسطين شغلت اهتمام حسين، إذ نشر مقالاً عنوانه «فلسطين» في صحيفة «كوكب الشرق» في 28 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1933، وهو عام تضاعفت فيه الهجرة اليهودية إلى فلسطين بشكل لافت.
ينقل الكتاب عن مقالة حسين أن أرض مصر «اصطبغت بدماء المصريين كما اصطبغت فلسطين بدماء الفلسطينيين»، وفي المقالة نفسها ينتقد حسين موقف القوى الأوروبية «وإلا فما إخضاع مصر لقوة الإنكليز وما إخضاع فلسطين لقوة الإنكليز وطمع الصهيونيين». وفي الصحيفة نفسها، نشر حسين مقالة عنوانها «غريب» عن صديقه الكاتب الفلسطيني محمد علي الطاهر، الذي هرب من تعنت الاحتلال البريطاني وحاول العودة إلى بلاده لزيارة أمه فمنعته سلطات الاحتلال، ويقول: «فما يكون الرجل من أهل فلسطين غريباً في مصر، وما ينبغي أن يكون الرجل من أهل مصر غريباً في فلسطين».
قضيّة
يبيّن المؤلف أن طه حسين نشر أكثر من مقالة عام 1945 الذي أنشئت فيه جامعة الدول العربية وانتقد فيها موقف الجامعة من قضية فلسطين، قائلاً: «إنها لا تفعل شيئاً سوى إصدار البيانات والتصريحات، فيما تطالب الجماعات الصهيونية علناً بإقامة دولة لهم على أرضها»، مسجلاً أن «الجامعة لم تعالج أمر فلسطين بما يستحق من العزم والحزم والصرامة وبما يلائم ما تضطرب به النفوس العربية في جميع الأقطار». كذلك، يسجّل النمنم أن حسين نشر في صحيفة «البلاغ» مقالة في 10 مارس (آذار) عام 1946 اعتبر فيها فلسطين «مسرحاً لهذا الصراع الهائل بين باطل الصهيونية وحق العرب، وبين تسلّط الاستعمار وحق العرب».
ويضم الكتاب مقالة عنوانها «الصلح مع إسرائيل» نشرت في 4 يونيو (حزيران) 1956 في صحيفة «الجمهورية» التي كان الرئيس الراحل أنور السادات مديرها العام آنذاك، وفيها سجّل حسين أن «الصلح مع الظالمين إجرام ما دام ظلمهم قائماً. الرضا بقصة فلسطين وظلم إسرائيل وأعوانها هو مشاركة في الإثم».
يرصد المؤلف أهم ثلاثة مواقف في حياة حسين جعلت كثراً يلصقون تهمة محاباة الصهيونية به: الأولى، إشرافه على رسالة دكتوراه في جامعة القاهرة عن اليهود في جزيرة العرب خلال الجاهلية وصدر الإسلام عام 1927. والثانية، إلقاؤه محاضرة في مدرسة الطائفة اليهودية في شارع النبي دانيال بالإسكندرية عام 1943. وأخيراً، ترؤسه تحرير مجلة «الكاتب المصري» التي صدرت للمرة الأولى عام 1945، وقد كان مؤسّسوها من أسرة هراري اليهودية. ويفنّد النمنم هذه الاتهامات، فرسالة الدكتوراه هذه أشرف عليها اثنان هما الشيخ عبد الوهاب النجار الأزهري المعمم وطه حسين، وقد نشرتها لجنة التأليف والترجمة والنشر في كتاب، وهي اللجنة التي ضمت علامة مثل أحمد أمين.
أما محاضرة النبي دانيال، فحضرها وكيل محافظة الإسكندرية وعمداء الكليات في جامعة فاروق (الإسكندرية راهناً)، وهذا ما يعطيها صبغة علمية أكاديمية. أما مجلة «الكاتب المصري»، فأصحابها كانوا يهوداً مصريين في زمن كانت مصر تستوعب فيه ناسها من دون التفتيش في الديانات.
الجامعة العبريّة
اتُّهم طه حسين بأنه زار الجامعة العبرية بعد تأسيسها بسنتين. وقال عنه خصومه إنه تعامل مع وزير خارجية إسرائيل الأسبق أبا إيبان عبر مجلة «الكاتب»، علاوة على تهمة ذهبت إلى أنّه تعمَّد مسيحياً للزواج من زوجته الفرنسية، ووصم كثيراً بأنه كافر ملحد متفرنس (نسبة إلى فرنسا)، منقطع الصلة عن جذوره الوطنية والدينية، وهي اتهامات لا تزال تلاحقه حتى بعد وفاته قبل نحو أربعة عقود. لكن معجبي عميد الأدب العربي ينفون تلك التهم كافة.
ويحظى حسين بمكانة كبيرة في الفكر العربي، فهو صاحب شعار «التعليم كالماء والهواء» حين أصبح وزيراً للمعارف (التعليم) عام 1950. وأصدر كتباً عدة أثارت جدلاً في الأوساط الثقافية، أهمها «في الشعر الجاهلي» (صدر مجدداً بعنوان «في الأدب الجاهلي») و{مستقبل الثقافة في مصر»، إضافة إلى سيرة حياته «الأيام». كذلك، أصدر عدداً من الكتب في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي من بينها «على هامش السيرة» و{الوعد الحق».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق